تواصل فرنسا تعزيز علاقاتها مع المغرب بوتيرة متسارعة، خاصة بعد التحول الكبير في الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء المغربية، الذي أعلن عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوليوز الماضي، في خطوة غير مسبوقة دعماً لسيادة المغرب على الصحراء. هذا التحول أحدث تحولاً جذرياً في العلاقات الفرنسية المغربية، لكنه جاء أيضاً بتبعات دبلوماسية مع الجزائر التي رأت في هذا الموقف تهديداً لحقوقها في القضية.
على الرغم من الأزمة السياسية والدبلوماسية التي أحدثها هذا الموقف مع الجزائر، تبدو باريس عازمة على استكمال تقاربها مع الرباط دون تردد. ففي الآونة الأخيرة، استقبلت المملكة عدداً من المسؤولين الفرنسيين الرفيعي المستوى، حيث زارت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي الصحراء المغربية، كما حل رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرارد لارشي، بالأقاليم الجنوبية للمغرب، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية.
وفي إطار هذه الديناميكية المستمرة، كشفت تقارير إعلامية عن زيارة مرتقبة لوزير العدل الفرنسي جيرالد دارمانين إلى المغرب في نهاية هذا الأسبوع، لتكون هذه الزيارة الثانية من نوعها لمسؤول فرنسي رفيع بعد زيارة وزيرة الثقافة رشيدة داتي. ومن المتوقع أن تركز الزيارة على تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات العدالة ومكافحة الجريمة، لا سيما في ظل التحديات المشتركة بين باريس والرباط في مجالات مثل الهجرة.
وفي سياق تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، يعتزم رئيس الوزراء الفرنسي السابق غابرييل أتال القيام بزيارة إلى المغرب في أبريل المقبل، وذلك في إطار سلسلة من التحركات التي يقوم بها استعداداً للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2027، مما يعكس أهمية المملكة المغربية في الاستراتيجية الفرنسية في المنطقة.
إن هذه الزيارات المتتالية لمسؤولين فرنسيين إلى المغرب تشير بوضوح إلى أن باريس تراه شريكاً أساسياً في شمال إفريقيا، وفي القارة الإفريقية بشكل عام، خاصة في ظل التوترات التي تمر بها علاقاتها مع الجزائر وتراجع نفوذها في بعض مناطق الساحل الإفريقي.
وكانت وزيرة الثقافة الفرنسية قد عبرت عن رغبة بلادها في العودة إلى إفريقيا عبر بوابة المغرب، مشيرة إلى أن باريس تعتبر المملكة نقطة انطلاق نحو بلدان إفريقيا الأخرى، من خلال مشاريع ثنائية عدة تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي والتنموي.
ويجدر بالذكر أن هذا التحول في العلاقات بين البلدين جاء بعد ثلاث سنوات من توترات “صامتة”، حيث كانت فرنسا تتجنب اتخاذ موقف صريح من قضية الصحراء المغربية، قبل أن يعلن ماكرون في يوليوز 2024 عن دعم بلاده لمغربية الصحراء، وهو الموقف الذي أثار غضب الجزائر، حيث قررت الجزائر سحب سفيرها من باريس وخفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا، في محاولة منها للضغط على باريس للتراجع عن موقفها.
رغم محاولات الجزائر لفرض ضغوط على فرنسا، تشير المعطيات الحالية إلى أن باريس ماضية في تعزيز علاقاتها مع المغرب، غير آبهة بالغضب الجزائري، في خطوة تعكس تحولاً استراتيجياً في السياسة الفرنسية تجاه المنطقة.