لقد كانت الرسالة الملكية، الموجهة لرئيس الحكومة، قصد العكوف على إدخال تعديلات على مدونة الأسرة، بالنظر للتطورات التي عرفها المجتمع المغربي، واضحة في تكليف وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة بهذا الشأن، مع استشارة المؤسسات ذات الشأن وعلى رأسها المجلس العلمي الأعلى باعتباره الضامنة الدينية لخضوع التعديلات للقيم المحلية، وبالتالي تكون وزارة العدل جزءا رئيسيا من بنية الإنجاز والصياغة.
هذا الأمر يتناقض مع الخرجات والتصريحات الإعلامية، التي ما زال عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، يدلي بها بخصوص التعديلات الممكنة، وما زال متشبثا بوجهة نظره التي سبق أن عبّر عنها في وقت سابق. طبعا ليس من حق أحد أن يحجر على وزير أن يدلي برأيه، لكن اليوم الحكومة هي المشرفة على العملية، والرسالة الملكية موجهة لرئيس الحكومة.
لكن أكثر من كل ذلك أن وزير هو وزير العدل، أي أنه جزء من بنية الصياغة والإشراف، وبالتالي لا يجوز له على الإطلاق الإدلاء بأي تصريح حول فصول المدونة المستهدفة بالتعديل، وإن كان لزاما أن يتحدث فلا يحق له أن يتجاوز موضوع المنهجية وآليات الاشتغال، إن لم تختر اللجنة من ينطق باسمها، وإلا لا حق له بتاتا في الحديث عن الموضوع. يعني يمنع عليه منعا كليا.
وهبي عضو في الحكومة، والحكومة من خلال رئيسها هي المعني الأول بالرسالة الملكية، ووهبي جزء من لجنة الصياغة، بمعنى هو ملزم بالحياد التام وما عليه سوى الإنصات لمكونات الشعب المغربي ومؤسساته، مثلما فعلت لجنة صياغة الدستور، التي لم يدل مسؤولوها بأي تصريح طوال مدة الإعداد، وبعد أن أنهت عملها عقدت ندوة صحفية موسعة أعلنت فيها عن النتائج التي توصلت إليها.
اللجنة ليس من حقها الحديث عن التعديلات، واللجنة دورها الإنصات والصياغة، وبعدها تثقوم بتقديم نتيجة عملها إلى النظر السديد لجلالة الملك أمير المؤمنين، قبل أن تعرض على المجلس الوزاري تم المجلس الحكومي وعرضها كمشروع قانون على البرلمان بغرفتيه، ومرة أخرى سيصبح وهبي ملزما بالدفاع عنها لا عن أفكاره.
قدرك أيها الوزير ألا تتحدث في الموضوع تم قدرك ألا تدافع عن أفكارك التي تزعم أنها حداثية، وإذا أردت ذل فما عليك سوى أن تطلب من رئيسك في الحكومة أن يلتمس من جلالة الملك إعفاءك من مهامك الوزارية وحينها تكلم كما تشاء.
يزعم وهبي أنه حداثي وهذا من حقه، ونحن نقول “يزعم” لأننا لم نر له فكرة حداثية، كما أنه يتزعم حزبا يجمع بين التقليد والحداثة كما أراد مؤسسوه، وبما أنه يقول أنه كذلك فليس مهما عندنا سوى الالتزام بموقعه، فكونه حداثيا لا يعني أن المدونة ستسير على هواه ولا على هوى غيره، ولكنها عنوان توافقات كثيرة تراعي الاجتهاد الفقهي والالتزامات القانونية والقيم والأخلاق المغربية، وهي أمور تتجاوز “حداثة” وهبي الحديثة.