تستعد أسرة الأمن الوطني، يوم غد الجمعة، لإحياء الذكرى الـ69 لتأسيسها، في محطة سنوية باتت تجسد معاني الالتزام والوفاء تجاه مهمة مقدسة: حماية الوطن وخدمة المواطن.
منذ 16 ماي 1956، ولدت هذه المؤسسة من رحم الحاجة إلى استتباب الأمن في دولة حديثة الاستقلال، لتتحول عبر العقود إلى جهاز متطور يواكب المتغيرات ويواجه التحديات، بسلاح الجاهزية والمهنية والعمل الميداني.
الاحتفال بهذه الذكرى ليس فقط لحظة للاعتزاز بالماضي، بل فرصة لتقييم الحاضر واستشراف المستقبل. وقد شهدت السنوات الأخيرة دينامية إصلاحية واضحة، شملت تحديث البنية الأمنية، وتطوير أدوات العمل، واعتماد مقاربة أكثر قربًا من المواطن، حيث أصبح هذا الأخير في قلب السياسات الأمنية الجديدة.
وفي هذا الإطار، تواصل المديرية العامة للأمن الوطني تعزيز آليات العمل الاستباقي، وتدعيم الوحدات المتخصصة، وتأهيل العنصر البشري. كما أولت أهمية بالغة للتمكين المهني للمرأة الشرطية، التي أضحت شريكة فعلية في مختلف المهام والمواقع.
على مستوى الخدمات، أطلقت المديرية بوابة «E-Police»، التي تمثل طفرة رقمية في تقريب الخدمة الأمنية من المواطن، عبر فضاء تفاعلي يتيح الاستفادة من خدمات إدارية شرطية بطريقة مبسطة وآمنة، ضمن استراتيجية أشمل للتحول الرقمي.
وفي سياق تقريب الإدارة من المواطن، تم خلال سنة 2024 تعزيز شبكة الوحدات المتنقلة لإنجاز البطاقة الوطنية، حيث استفاد أكثر من 130 ألف شخص من خدماتها، خاصة في المناطق النائية.
كما عرف العام نفسه إحداث 19 وحدة أمنية جديدة لمواكبة الامتداد العمراني، فيما تواصل الفرق المتخصصة في مكافحة العصابات توسيع حضورها ميدانيًا، بعد تزويدها بمعدات حديثة من بينها أسلحة بديلة ودراجات نارية وسيارات دفع رباعي، بالإضافة إلى تعزيز فرق الكلاب البوليسية المدربة.
ومع اقتراب المملكة من احتضان كأس إفريقيا للأمم 2025، تم الارتقاء بوحدات الأمن الرياضي في عدة مدن، من بينها الدار البيضاء التي شهدت إحداث أول “مصلحة ولائية للأمن الرياضي”، في خطوة تعكس جاهزية المغرب لتأمين التظاهرات الكبرى.
دوليًا، واصلت المؤسسة الأمنية تعزيز حضورها، حيث انتُخب ممثل الأمن الوطني نائبًا لرئيس منظمة “أنتربول” عن إفريقيا، ما يعكس الثقة المتزايدة في النموذج الأمني المغربي.
من جهة أخرى، لم تغفل المديرية البعد الإنساني والاجتماعي، حيث قدمت مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية دعما مباشرا للمتضررين من رجال ونساء الأمن، ولذوي الحقوق من الأرامل والمتقاعدين، مما يعكس روح الوفاء والتضامن داخل الجهاز.
وفي خضم هذه المسيرة، لا تزال المؤسسة الأمنية تضع نصب عينيها هدفًا واحدًا: ترسيخ الأمن، وبناء الثقة، والاقتراب أكثر من المواطن، في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم، والتي تتطلب شرطة يقظة، مواكبة، ومتشبعة بقيم حقوق الإنسان.
69 سنة إذن من الحضور المتواصل في قلب التحولات.. 69 سنة من بناء الثقة مع المواطن.. و69 سنة من العهد الموثوق بأن الأمن ليس فقط مرفقًا عموميًا، بل شريكًا يوميًا في صناعة الطمأنينة.