كشفت الأزمة الأخيرة مع إسبانيا، أن الأحزاب المغربية لديها الوطنية بمعيار الدعم الانتخابي لا غير، ليس تشكيكا في انتمائها للوطن، ولكن قياسا لمنسوب الوطنية بين أحزاب الأمس وأحزاب اليوم، فباستثناء البيان اليتيم الصادر عن الأحزاب الممثلة في البرلمان، لم نسمع عملا موحدا بين هاته الأخيرة انتصارا للوطن، ودعما لباقي الفاعلين في هذا المجال، وخصوصا الديبلوماسية، التي أظهرت الأحداث أن الحكومة تعتبرها قطاعا منفصلا عنها، ولا يكفي اليوم بيانات ورسائل منفردة، فالعمل الجماعي مطلب وطني في الأوقات الحرجة، ونحن اليوم في معركة حقيقية فيها خيار واحد هو الانتصار.
الأحزاب السياسية، التي نطلب منها اليوم الانتصار لقضايا الوطن، مستمرة في تبادل الشتائم والاتهامات فيما بينها، ليس بين المعارضة والأغلبية، وهو أمر مقبول إلى حد ما، ولكن بين مكونات الأغلبية نفسها، حيث يهاجم العدالة والتنمية التجمع الوطني للأحرار، بمناسبة ومن غيرها، وكذلك الشأن بالنسبة للتجمع تجاه حليفه في الحكومة.
تبادل الشتائم والاتهامات بين الحزبين المهمين في التحالف الحكومي مهم بالنسبة إليهما ولكن غير مهم بالنسبة للمواطن، وكذلك الشأن بالنسبة للمعارضة التي تدفع في اتجاه ملتمس رقابة، الذي قد يكون مجرد فرصة منبرية للخطابة لكن سيكون فرصة لأحزاب الأغلبية للهروب من المحاسبة.
ليس مطلوبا من أحزاب التحالف الحكومي أن تتنابز بالألقاب وأن تصفي حساباتها البينية، ولكن أن تقوم بتقيدم الحساب مجتمعة تم تصفي حساباتها الداخلية، لأنه بالنسبة للمواطن المسؤولية يتحملها كل من شارك في الحكومة، فليس معقولا ولا منطقيا أن يشارك الحزب خمس سنوات في الحكومة ويستفيد من خيراتها وعندما تقترب الانتخابات يلبس جلباب المعارضة.
هذه هي الأحزاب اليوم وهذا هو شكلها ومظهرها وجوهرها، أحزاب تتسابق نحو الانتخابات، ناسية أن للوطن عليها حق كبير وواجب الدفاع اليوم قبل غد، وكثير من الأحزاب خسرت كثيرا من رصيدها خدمة للوطن.
يوم دعا جلالة المغفور له الحسن الثاني المعارضة لقيادة الحكومة لأن المغرب على أبواب السكتة القلبية، وضع عبد الرحمن اليوسفي، ألف رحمة ونور على روحه، تاريخ الاتحاد الاشتراكي وأربعين سنة من العمل النضالي في كفة ومصلحة الوطن في كفة ثانية، وقبل تحمل المسؤولية، وكان من تداعيات عددا من الانسحابات من الاتحاد والانشقاقات، أي بمعنى الربح والخسارة فقد خسر كثيرا لكنه ربح تاريخه.
ورغم الخلافات بين الحسن الثاني وزعماء الأحزاب السياسية، التي كانت تصل حد القطيعة وإرسال بعضهم للسجن، عندما كان يجد جد القضية الوطنية يشمر الجميع عن ساعده وينسى خلافاته وراء ظهره ويدافع عن الوطن، وهذا معروف عن الزعيمين عبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة رحمهما الله.
لسنا من البكّائين على الأطلال ولكنها دروس التاريخ التي ينبغي أن نستفيد منها وينبغي معها أن تعي الأحزاب دورها في تدبير الخلاف لكن في قضايا الوطن هناك إئتلاف ومناصرة دون قيد أو شرط ولما تنتهي المعركة وننتصر فيها نعود لمحاسبة بعضنا بعضا.