الخبر اليقين هو ما يأتي من المصدر. محسن الجزولي وزير في حكومة عزيز أخنوش، يحمل عنوان “الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية”. قال في أحد اللقاءات إن استثمارات المهاجرين المغاربة في بلادهم لا تتعدى 10 في المائة في أحسن الحالات. معلومة مهمة مر عليها الوزير ومرت عليها الحكومة مرور الكرام. لكن الواقع يقول إنه ينبغي الوقوف عندها بشكل كبير. لماذا لا يستثمرون بشكل كبير؟ ما الذي يدفعهم إلى التحفظ؟ لماذا يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في الخارج وما يدخل إلى المغرب يتم صرفه على شكل استهلاك؟
يتحدث الوزير عن الاستثمار المباشر ولا يتحدث عن الاستثمار غير المباشر. ربما يجهل هذه القصة. يساهم المهاجرون المغاربة بما يصل أحيانا إلى 27 في المائة من التمويلات الواردة على الخزينة العامة للمملكة ولا تقل هذه المساهمة عن 17 في المائة، فقط 10 في المائة منها تذهب مباشرة إلى الاستثمار، تنقص أحيانا وتصل إلى حدود 5 في المائة.
الـ90 في المائة الباقية موزعة على مساعدات يقدمها المهاجرون لعائلاتهم، وبناء عقارات للسكن عندما يزورون بلادهم، أو في الاستهلاك المباشر. كثير مما يبعثه المهاجرون تحوله العائلات إلى استثمارات صغرى خصوصا في البوادي.
لننسَ قصة الاستثمار ولو بهذا الشكل. أين تذهب الأموال التي يجلبها المهاجرون؟
بدون شك تذهب إلى الوعاء المالي من العملات الأجنبية، الذي يعتبر مهما جدا في ميزان المعاملات، إذ يعتبر دعما حقيقيا لاحتياطي بلادنا من العملة الصعبة، التي بواسطتها تتم تسوية كل المعاملات المتعلقة بالاستيراد، ويا ما نستورد من حاجياتنا، من الدواء إلى القمح وغيرها من المواد الاستهلاكية.
دعنا الآن من كل هذا ونرجع إلى السؤال الرئيسي: لماذا يفر المهاجرون من الاستثمار في بلادهم؟ لماذا يفضلون بناء عقارات غير استثمارية أو الإبقاء على أموالهم بالخارج؟ ما الذي يخيفهم من إحداث مشاريع مذرة للدخل هنا والآن؟
لنكن واضحين بدون لغة خشب ولا مواد معدنية أخرى. المسؤول عن ذلك هو الحكومة باعتبارها هي من تملك مفاتيح تحريك الإدارة المعرقلة للاستثمار. وكان جلالة الملك محمد السادس قد اشتكى من عرقلة الإدارة المغربية للاستثمار وطالب بحل المعضلة. والحكومة مسؤولة مباشرة عن هذا الموضوع.
كان الوزير السابق عبد الكريم بنعتيق، لما كان مكلفا بالجالية، قد بدأ مشروعا منتجا، لو استمر لفك كثيرا من العقد، حيث كان يذهب إلى الأمكنة حيث يوجد مهاجر مغربي، مرفوقا بجميع الإدارات التي تهم المغربي القاطن بالخارج، وذلك قصد التواصل حول جميع المشاكل التي تخصه، ومنها الاستثمار، حيث تتم مرافقة المعني بالأمر هناك دون أن يحتاج إلى المجيء للاصطدام بعراقيل الإدارة، والوقت الذي يكون لدى المهاجر لا يكفيه لإنجاز “شهادة السكنى” فبالأحرى أن يستخرج أوراق مشروع استثماري يحتاج عشرات الأوراق الإدارية.