في خطوة تعكس إشعاع النموذج المغربي في مجال البنية التحتية المينائية، أعلنت حكومة ليبيريا عن توقيع اتفاق استراتيجي مع شركة “طنجة ميد للهندسة”، التابعة لميناء طنجة المتوسط، يهدف إلى تحديث وتأهيل ميناء مونروفيا الحر وميناء بوكانان، عبر مخطط رئيسي شامل يعتمد على الخبرة المغربية المتراكمة في تدبير المنشآت البحرية.
وتم توقيع الاتفاق في مدينة طنجة، بحضور وفد ليبيري رفيع المستوى، ضمن مساعي ليبيريا لإعادة هيكلة قطاعها المينائي والارتقاء به إلى مستويات المعايير الدولية، استناداً إلى تجربة المغرب التي باتت مرجعية في إفريقيا والعالم، بعد النجاح المذهل الذي حققه ميناء طنجة المتوسط في تصدر مؤشرات الربط البحري والتنافسية اللوجستية.
ويقوم المشروع على رؤية تنموية متكاملة، تشمل تحديث محطات الحاويات، وتوسيع الأرصفة، وتطوير مناطق التخزين، فضلاً عن إدماج أنظمة رقمية متقدمة لإدارة العمليات، وتطبيق إجراءات أمنية دقيقة، واعتماد الطاقة المتجددة في تشغيل البنيات التحتية، ما يعزز الكفاءة التشغيلية ويقلص من تكاليف المناولة وزمن توقف السفن.
وفي تصريح نقلته وسائل الإعلام الليبيرية، وصف المدير العام للهيئة الوطنية للموانئ، سيكو حسين دوكولي، الاتفاق بـ”الإنجاز الوطني”، مشدداً على أنه لا يقتصر على التحديث التقني، بل يرمز إلى التزام بلاده بإرساء بنية تحتية متينة تدعم الاقتصاد وتفتح آفاقاً جديدة للشغل والاستثمار.
ويرى مراقبون أن هذه الشراكة تعكس تحول المغرب إلى فاعل لوجستي إقليمي من الطراز الأول، يمتد إشعاعه إلى العمق الإفريقي، في وقت تسعى فيه عدة دول جنوب الصحراء إلى الاستفادة من النموذج المغربي الذي يمزج بين الرؤية الاستراتيجية، والابتكار التكنولوجي، والشراكات الدولية الفعالة.
وتهدف ليبيريا من خلال هذا المشروع إلى تعزيز تنافسيتها في الفضاء الساحلي لغرب إفريقيا، حيث يتزايد الطلب على بنيات استقبال لوجستيكية قادرة على استيعاب التدفقات المتنامية للتجارة العالمية، لاسيما مع توجه عدد من الدول غير الساحلية، مثل مالي وغينيا، إلى استعمال موانئ الجوار كنقاط عبور حيوية.
ويُنظر إلى الاتفاق أيضاً كخطوة جديدة في مسار التموقع المغربي ضمن المعمار الاقتصادي الإفريقي، من خلال تصدير نماذج ناجحة في التخطيط، والحوكمة، والتأهيل المينائي، بما يكرس مبدأ “التعاون جنوب-جنوب” كخيار تنموي مشترك.
وتجدر الإشارة إلى أن ميناء طنجة المتوسط، الذي تم تدشينه عام 2007، أصبح في أقل من عقدين من الزمن أحد أبرز موانئ الحاويات في العالم، متقدماً على موانئ متوسطية كبرى، وذلك بفضل بنياته المتطورة، وموقعه الاستراتيجي على مفترق الطرق البحرية بين أوروبا، إفريقيا، وأمريكا.
ويعزز هذا الاتفاق صورة المغرب كمصدر للخبرة ونقل التكنولوجيا، في وقت تتجه فيه القارة الإفريقية نحو تعميق التكامل الاقتصادي وتطوير بنياتها الأساسية لمواكبة تحديات العولمة والتحول الرقمي.