مع اقتراب كأس إفريقيا، لا يبدو أن المنتخب الوطني المغربي يملك من الوضوح ما يليق بطموحات شعبه، ولا من الشجاعة ما يكفي لتجاوز أزماته المتراكمة.
بنين الأخيرة لم تكن مجرد تعثر عابر؛ بل كانت مرآة صافية تعكس ما تعانيه المنظومة: جمود فني، ارتباك في الهوية التكتيكية، وتناقض صارخ بين ما نملكه من مواهب وما يُقدم على أرضية الميدان.
أداء المنتخب أمام بنين افتقر إلى الروح، بدا بلا ملامح حقيقية، وكأننا نشاهد تكرارًا رتيبًا لمشهد قديم: استحواذ بلا فعالية، تمريرات عرضية بلا طائل، وتيهٌ تكتيكي جعل من الفريق مجرد مجموعة لاعبين يبحثون عن حل فردي في غياب منظومة جماعية واضحة.
ما يثير الدهشة حقًا هو أن وليد الركراكي، الذي طالما عُرف عنه ذكاء تكتيكي في بداياته، يبدو اليوم متشبثًا بخيارات أثبتت محدوديتها، وكأن الزمن توقف عند إنجاز المونديال. فالتجريب غائب، والتدوير مغيّب، والرهان على نفس الوجوه يُعيدنا إلى حقبة الأسماء “المحمية”، حيث يُفرض اللاعب لا بأدائه، بل بشبكة مصالحه.
وسط الميدان، مثلًا، هو صورة مصغرة للأزمة: ثنائية أمرابط وأوناحي أصبحت “تابو” لا يُمسّ، رغم أن كرة القدم الحديثة تعيش على التنوع والمرونة. ماذا لو أصيب أحدهما؟ من البديل؟ لماذا لا يجرب المدرب أوراقًا جديدة في مباريات ودية؟ وهل يعقل أن فريقًا بحجم المغرب، بأكاديمية محمد السادس، وبجيوش المحترفين في أوروبا، عاجز عن إنجاب لاعب وسط ثالث؟
أما الهجوم، فرغم هدف الكعبي الجميل، بدا معزولًا وبلا دعم حقيقي. النصيري لا يزال هو الخيار الرسمي رغم تراجع أدائه، وكأن ولاءه صار أهم من مردوديته. هنا يصبح السؤال أكبر من مجرد اختيار لاعب؛ إنه سؤال مشروع: لماذا نخشى التغيير؟ لماذا نتعاطى مع المنتخب وكأنه “ضيعة خاصة” وليست ملكًا عامًا لأمة بأكملها؟
المدرب، الذي لطالما تغنينا بإنجازه التاريخي في قطر، يعيش اليوم على أطلال ذلك المجد، يكرر نفس الأعذار، ويواجه نفس المشاكل بخطاب مستنسخ لا يختلف كثيرًا عمّا سمعناه من مدربين سابقين.
المفارقة أن الركراكي نفسه كان في فترة سابقة ضمن طاقم الطاوسي، حينما كنا نسمع مقولة “الطاوسي ومن معه أعلم”. وها نحن نسمعها مجددًا: “الركراكي ومن معه أعلم”. وكأن التاريخ يصر على إعادة نفسه بسيناريو أقل إبداعًا.
كأس إفريقيا ستُقام في المغرب بعد أشهر قليلة. والحقيقة أن الوقت ليس في صالحنا، فما زال المنتخب يعيش حالة من التيه: خطة غائبة، شخصية مهتزة، جمهور فقد صبره. حتى فوزي لقجع، الذي اعتاد التدخل حينما يقتضي الأمر، قد يجد نفسه مضطرًا لوضع حد لهذا المسلسل قبل أن يكتب الفصل الأخير بحبر الهزيمة.
إن السؤال اليوم لم يعد: “هل الوقت مناسب للتغيير؟” بل صار: “هل نجرؤ على التغيير قبل فوات الأوان؟” التغيير لم يعد مغامرة؛ إنه واجب إذا أردنا أن نمنح هذا المنتخب فرصة جديدة، بدل أن ندفنه في مقابر الأعذار والخيبات.
“الركراكي ومن معه أعلم” قد تكون مقولة للتبرير، لكنها أيضًا مرآة لخيبتنا؛ لذلك حان وقت كسر هذه الحلقة، حتى لا نجد أنفسنا نبكي على حلم ضاع لأننا ترددنا.