كلما تحركت عقارب الساعة نحو موعد مؤتمر حزب الاستقلال الـ 18، الذي تأجل أكثر من مرة، حتى تتصاعد حدة الصراعات بين تيارات الحزب القوية، فيها ما هو معلن وما هو خفي.
ورغم إعلان توافق “مزيف” بين التيارين، والتشديد على أهمية اشتغال قيادة الحزب بروح الوحدة والانسجام الذي طبع دائما عملها منذ المؤتمر السابع عشر، والإعداد الجيد للمحطة التنظيمية الحزبية المقبلة من أجل ضمان نجاحها وجعلها عرسا ديمقراطيا استقلاليا يلتف حوله الجميع، إلا أن الأحداث التي لحقت هذا الأمر تبين عكس ذلك.
بداية سقوط التوافق “المزعوم” كانت لحظة انتشار مقطع فيديو يظهر فيه عضو اللجنة التنفيذية يوسف أبطوي يوجه “صفعة” على خد زميله وعضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية منصف الطوب، خلال أشغال المجلس الوطني بمدينة بوزنيقة.
وكانت هذه “الصفعة” هي الشرارة التي أظهرت الجانب المخفي من جبل جليد الصراع داخل حزب “الميزان”، لينتقل الصراع من دواليب الحزب الضيقة إلى العلن والصحافة والقضاء.
ومباشرة بعد “الصفعة”، أعلنت اللجنة التنفيذية للحزب عن تجميد عضوية أبطوي، فيما أعلن الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية عن تضامنه مع النائب البرلماني منصف الطوب، الذي قرر من جهته متابعة عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال يوسف ابطوي قضائيا.
بدوره وضع أبطوي هو الآخر شكاية لدى النيابة العامة بمدينة طنجة ضد منصف الطوب، متهما إياه بالسب والقذف والترهيب، مرفقا إياها بشهادة طبية مدتها 30 يوما، فيما اتهم قيادات في الحزب بتسريب الفيديو.
وفي الوقت الذي لم يخمد فبه نقاش “الصفعة”، تسرب تسجيل صوتي منسوب لرئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية نورالدين مضيان يوجه فيه كلاما جارحا للقيادية في الحزب ونائبة رئيس مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة رفيعة المنصوري.
وخلف هذا التسريب موجة سخط عارمة لدى أعضاء الحزب، لتقوم المنصوري برفع دعوى قضائية ضد نورالدين مضيان تتهمه فيها بالتشهير بحياتها الخاصة والابتزاز.
وتفاعلا مع هذا الحادث، جمد الفريق الاستقلالي بجهة طنجة تطوان الحسيمة، عضوية نور الدين مضيان بالفريق، وطالب الأمين العام للحزب نزار بركة، بتجميد عضويته في كل دواليب الحزب احتياطيا، وإحالته على لجنة التحكيم والتأديب.
وأفاد الفريق في رسالته إلى بركة، أن مضيان مارس اعتداء غير أخلاقي ومخالف للقانون في حق رفيعة المنصوري، مبرزا أنه تابع باستغراب وأسف شديدين ما تعرضت له المنصوري من ممارسات شاذة وغير أخلاقية من طرف عضو الفريق نور الدين مضيان، مست الشرف والعرض وتجاوزته للابتزاز والتشهير والتهديد.
بدورها، أعلنت ياسمينة بادو الوزيرة السابقة والقيادة السابقة في حزب الاستقلال تضامنها مع عضو الحزب رفيعة المنصوري، داعية في نفس الوقت إلى تجميد عضوية نور الدين مضيان داخل الحزب.
وشددت بادو في منشور على حسابها الخاص في موقع انستغرام، أنه أول قرار كان ينبغي اتخاذه هو التعجيل بتجميد عضوية رئيس الفريق البرلماني بمجلس النواب نورالدين مضيان مع استحضار أصل قرينة البراءة، ميرزة أن تجميد عضوية المعني بالأمر، هو أقل ما يمكن فعله، احتراما وتكريما وإنصافا للمرأة، في انتظار أن يقول القضاء كلمته الأخيرة في هذه النازلة غير المسبوقة.
وعبرت الوزيرة السابقة عن صدمتها، من حجم وقوة الضغوطات التي مورست على البرلمانية السابقة أو الضحية، دون أخذ بعين الاعتبار بمعاناتها وبالأضرار الخطيرة التي لحقتها، وهي صدمة تضيف نفس المتحدثة، تضاعفت أكثر حينما تحركت بعض الأصوات مدفوعة بعقلية ذكورية ورجعية، من أجل الدفاع عن شخصية عمومية مارست العنف اللفظي والنفسي والمادي ضد امرأة.
وأكدت ياسمينة بادو في منشورها أنها متأسفة كون أن هذه القضية الأخلاقية تزامنت مع لحظة سياسية هامة ننتظر فيها إقرار مدونة جديدة للأسرة والتي ستضمن، بلا شك، للمرأة المغربية كرامتها وحقوقها المهضومة.
وخرجت منظمة المرأة الاستقلالية عن صمتها، وقالت إنها تلقت ببالغ الاستياء ترويج تسجيل صوتي يتضمن عبارات جارحة بل تعتبر مسا بسمعة وأخلاق رفيعة المنصوري،
وأضافت المنظمة، أن التسجيل المنسوب لرئيس فريق الحزب بمجلس النواب نور الدي نمضيان يحمل في طياته الكثير من الإيحاءات الخادشة لصورة المرأة المغربية عامة والمرأة الاستقلالية خاصة.
وأكدت المنظمة أنها اختارت الصمت منذ اندلاع القضية، لكي لا تقوم بالتشويش على القضاء حين عرضت القضية عليه إيمانا منها أن القضاء كفيل بإنصاف المتضرر وتصويب الخطأ ورفع الحيف عن المتضرر منها دون شك، والقضاء هو وحده الضامن لشروط المحاكمة العادلة واحترام قرينة البراءة.
وطالبت المنظمة اللجنة التنفيذية للحزب بالخروج من الحياد، وذلك بمناقشة الموضوع في اجتماع لها واتخاذ “المتعين” فيها لدرء كل تأويل وتناسل للمشاكل.
ويبدوا أن حالة الشد والجذب بين أعضاء الحزب امتدت وستستمر لفترة طويلة، حيث لم يفلح الاستقلاليون في الوصول إلى نقطة التوافق من أجل عقد مؤتمرهم، حتى جاءت مراسلة من وزارة الداخلية تخبرهم بضرورة عقد المؤتمر حتى يتمكن الحزب من تسوية وضعيته المؤطرة بقانون الأحزاب ويستفيد بالتالي من الدعم العمومي الذي تمنحه الدولة.
ورغم ظهور بعض البوادر التي كذبت التوافق الهش الذي أعلن عنه الحزب، لا يزال باب “الصراع” مفتوحا على المزيد من الاحتقان، وما خفي أعظم.