محمد فارس
يوم 16 مارس الجاري، بعد خطاب مقتضب، أخذ [بايدن] القلم أمام كاميرات الإعلام، ووقّع على مبلغ ضخم يناهز 13 مليار دولار لصالح دولة [أوكرانيا]، وهذا مبلغ سخِي لم يُعْطَ من قبْل لأية دولة فقيرة عانت من نَكْبة الحروب والجفاف والمجاعة؛ وأنا أعْرف أنّ الأمريكي البسيط الذي صوّت في الانتخابات لهذا [البايْدَن] لا يوافق على ذلك إطلاقا، فهو لا تهمُّه [أُوكرانيا] وأنّ الحرب المشتعلة فيها ليست حربه، بل هو لا يعْرف حتى أين تقع هذه الدّولة.. والواقع، أن رئيسًا يوقّع بكل هذه البساطة على مبلغ بهذا القدر، لابدّ وأن تُطرح أسئلة حول قِواه العقلية والنّفسية.. هذا المبلغ الهائلُ، الشعب أولى به وأحقّ؛ لماذا قد يتساءل القارئُ الكريم؟ فالرئيس [بايْدَن] أو الرئيس [النّاعِس] كما لقّبه سلفُه [ترامب] يعْرف أنّ في بلاده فقراءَ، ومشرّدين، ومتسوِّلين، ومواطنين بلا مأوى، يبيتون في الشّوارع، وفي قنوات الوادي الحار، وتحت الجسور، هذا هو الجانب الخفي في [أمريكا]..
يقول الفليسوفُ الأمريكي [ويل ديورَانت] في كتابه [مباهج الفلسفة]، وفي فصْل في هذا الكتاب بعنوان : [لماذا أخفقَتِ الدّيمقراطية؟] يقول بالحرف: [إنّ الشّعب في الديمقراطية، لا دوْرَ له] ثم يضيف: [إذا اعتقدَ بعض القراء أنّ الديمقراطيةَ قد هيّأت لنا حكومةً بواسطة أحْكَمِ النّاس أو أقْدرِهم، فيُحْسن أيضا أن لا يَقْرؤُوا كتابي هذا أو يمُرُّوا بهذه الصّفحات مرَّ الكرام، فالدّولة أصبحت تدارُ شُؤونُها بأحطّ الرِّجال وأقلّهِم كفاءةً ومقدرةً، وهذا حال بلادنا اليوم للأسف الشديد والحكومةُ إمّا أن تكونَ في ديمقراطية اليوم حكومةَ قِلّة أو حكومة فَرْد، ولا شيء غير ذلك]، وهذا فيلسوف أمريكي يشهَد بذلك، ويتحسّر على الفقر، والضياع، تعيشه شرائحُ واسعة من المجتمع الأمريكي الذي نَعتبر نحن اليوم بسبب جهْلنا أنّه رائد الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، يا لَلْخيْبة تلك التي وقعْنا في فخِّها! الشعبُ الأمريكيُ البسيط يعاني من التّعْتيم الإعلامي، وتضيعُ قضاياه في لُجَجِ الدّعايات الكاذبة والجارفة لكلّ الحقائق الموضوعية التي يعاني منها الأمريكي المنبوذ..
هل تعْلم سيّدي القارئ الكريم، أنّ شوارع [نيويورك] و[لوس أنجلوس] تعجُّ بالمتسوّلين، وذوي الحاجة، ولكن من هم هؤلاء يا تُرى؟ هم أولئِك الذين يُدْعَون للتّصويت، ثم يُنْسَون؛ هم قدماء المحاربين الذين قيل لهم دافِعوا عن بلدكم، وقاتِلوا من أجل حرّيتكم وديمقراطيتكم، أين كان هذا القتالُ من أجل الوطن؟ كان في [كوريا]، و[ڤيتنام]، و[العراق]، ولـمّا عاد المقاتلُ المخدوع من الحرب، وجد نفسَه بلا زاد، وبلا حقوق، وبلا تقاعُد يحفظ له كرامتَه، ومنهم من صار يَصيح ويلطُم قائلاً: [c’était pas ma guerre]، لماذا ذهبتُ لأقتلَ الڤتنامي والعراقي، والدفاعُ عن الوطن، يكون إذا احتُلّت مثلا (كارولايْنا) أو (فلوريدَا) لكن هذا الوعيُ جاء متأخِّرًا.. فكثيرٌ من آلاف الجنود صاروا متسوِّلين في الشّوارع، فتجده حاملاً لافتةً تقول للمارّين: [من قدماء ڤيتنام، يسْتَجديكم]، أو [من قدماء العِراق يلتمس عطاءَكم]، وهكذا..
لاتنخدع سيّدي القارئ بالدّعايات الكاذبة لِـ[أمريكا] فيها باع، ومتاع.. لا تُصدّق تلك الأفلام الهوليودية التي تُظْهر شجاعةَ ووطنيةَ وإنسانيةَ الأمريكي، جالس جنديًا أمريكيًا مخدوعًا ليروي لكَ قصتَه فتأْلَم منها وتَعْجَب، وها هو [بايدن] الذي قال خلال حملتِه الانتخابية: [إنّ نبيَ الإسلامِ قال: من رأى منكم منكرًا فَلْيُغيِّرهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبِقلبِه]، كان ذلك دعايةً انتخابية، فها هي المناكرُ، والمظالمُ، والمآسي أمامه، فماذا فعل لتغييرها؟ بل إنّ بعض الدّول قد قلبتْ ظهْر الـمِجَن للأمريكان، فلم تصوّت لصالح العقوبات ضدّ [روسيا]؛ ومن الدول العربية من توجّه نحو الشّرق، إلى [الصّين] بعدما تأكّدوا من خداع ومن ألاعيب [أمريكا] إمبراطورية الأكاذيب.. إنّ مبلغ (13) مليار دولار، كان أحقّ بها وأَولى أطفالُ [اليمن]، وسكان [فلسطين]، ومشردُّو [سوريا]؛ هذا لو كان [بايدن] صادقًا.. الآن، والآن فقط، وبدأت [أوروبّا] تعي الخدعة الأمريكية، وأوّلُ من كان واعيًا بذلك هو المواطن الألماني الذي لا يريد أن يعودَ إلى زمن [مشروع مارشال] ليعيشَ على المؤُونة الأمريكية؛ ثم تلاه المواطن البلغاري الذي رأى أنّه لا فائدةَ له في الانتساب للحلف الأطلسي؛ ثم تلاه الإسباني الذي يحتجّ الآن بسبب نُدْرة وغلاء الغذاء والمحروقات؛ ثمّ تلاه الفرنسي الذي أحسّ بأنّ بلادَه لا استقلالية لها في الرأي؛ وهكذا، سيتفكّك الاتّحاد الأوروبي بسبب حرب [روسيا] و[أمريكا] على مسرح [أوكرانيا]؛ فالأوروبّي مثْلُه مثل الأمريكي، تهمّه معيشتُه، وغذاؤُه، وغيرُ مستعدّ لحرب لا تهمّه؛ حرب، أَشْعل فتيلَها السّياسيون لا الشّعوب، ثم الأسوأ قادِم..