في المهام الرسمية لا يوجد شيء عبثي، وإذا حصل يظهر الخطأ، وعندما أعطى المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي انطلاقة تسجيل غير الأجراء في إطار المشروع الكبير للحماية الاجتماعية، عندما قام بذلك لم يرافقه أي مسؤول حكومي، ولم يكن ذلك من باب الصدف، ولكن كي لا يتم استغلال المشروع سياسيا وهو مشروع ملكي كبير.
وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس أكد في وقت سابق أنه لابد من إطلاق عملية تعميم التغطية الاجتماعية لجميع المغاربة، خلال الخمس سنوات المقبلة. ودعا جلالة الملك، في خطاب العرش سنة 2020، إلى “الشروع في ذلك تدريجيا، ابتداء من يناير 2021، وفق برنامج عمل مضبوط”. ويهم في مرحلة أولى، تعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، قبل توسيعه ليشمل التقاعد والتعويض عن فقدان العمل.
هذا المشروع يتطلب إصلاحا حقيقيا للأنظمة والبرامج الاجتماعية الموجودة حاليا، للرفع من تأثيرها المباشر على المستفيدين، خاصة عبر تفعيل السجل الاجتماعي الموحد وأنه ينبغي أن يشكل تعميم التغطية الاجتماعية، رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي الوطني. وترأس جلالة الملك حفل إطلاق مشروع تعميم الحماية الاجتماعية يوم 14 أبريل الماضي.
هذا مشروع لا يمكن استغلاله أو توظيفه سياسيا، من طرف أي حزب سياسي، وكل استغلال يعني فشله، فمشروع راميد كان يمكن أن ينجح لولا استغلاله من قبل حزب سياسي، واليوم يحاول “تجمع المصالح الكبرى” استغلال هذا المشروع عن طريق قرصنة مفهوم الدولة الاجتماعية، التي يراد بها باطل، ومن المؤسف أن يتم الركوب على مشاريع ملكية لتحقيق أهداف سياسية.
فهذا المشروع ليس مشروع الحكومة السابقة ولا الحالية، وبما أن الحكومة أداة تنفيذية، فما عليها سوى السهر بدقة على تنزيل هذا المشروع من الناحية القانونية والعملية وتسهيل المساطر وتوفير التكلفة المالية، لكن إذا أرادت فعلا أن تخدم مفهوم الدولة الاجتماعية ما عليها سوى أن تضع برامج جديدة ومبدعة وتصورات تخدم الفئات الهشة وتعيد الاعتبار للطبقة الوسطى.
لكن عكس كل ذلك تسير الحكومة ضد هذه التوجهات الكبرى لجلالة الملك ذات الطابع الاجتماعي، وهو من يقود الدولة الاجتماعية بقواعدها وبمشاريع واضحة، بينما حكومة “الضرائب” فهي ضد كل ذلك، ويا ليت الضرائب كانت شاملة لكل الفئات الاجتماعية، فالحكومة قبلت كل التعديلات على قانون المالية التي جاءت من فريق الباطرونا بينما رفضت التعديلات التي جاءت من النقابات، وهذا دليل على أن توجهها غير اجتماعي بما يعني أنها فقط قرصنت مفهوم الدولة الاجتماعية، وليس لديها أي تصور في هذا السياق.
المشاريع الملكية لها بعد اجتماعي كبير لأن جلالته يقول دائما إن حزبه هو هذا المغرب بكل فئاته ومن أجله يشتغل بينما الأحزاب السياسية لها أهداف ضيقة وخصوصا انتخابية.