فرضت جائحة كوفيد 19 كثيرا من السلوكات، التي لا تنتمي لما هو معروف في الأنظمة الديمقراطية، حيث تم فرض عدم السفر والإغلاق التام أحيانا، وهي تظهر في شكلها متناقضة مع الحرية التي هي أساس الديمقراطية، واستغلتها بلدان أخرى لضرب المؤسسات الهشة أصلا، مما يجعل من الجائحة لحظة لقياس الالتزام بمعايير الديمقراطية، التي تفرض أن تكون حتى القرارات الصعبة صادرة عن المؤسسة التشريعية.
ما أقدم عليه المغرب يعتبر تحديا كبيرا في الزمن الديمقراطي. في وقت يجهل الجميع مسارات تحول الجائحة وأي مدى يمكن أن يصله انتشار السلالات المتحورة لفيروس كورونا المستجد، في هذا الوقت يعلن وزير الداخلية عن تنظيم الانتخابات في وقتها مهما كانت الظروف، بمعنى رفع التحدي لمستوى عال جدا، وهو التحدي المنسجم مع حملة التلقيح، التي تسعى لبناء المناعة الجماعية خلال أشهر قليلة، لكن يعرف المهتمون أن أي انفلات للسلالات الجديدة سيؤخر زمن الوصول إلى المناعة الجماعية.
مع وجود الاحتمالات المتعددة والشك في طبيعة المستقبل ومتى يمكن الوصول إلى المناعة الجماعية هناك إصرار على الالتزام بالزمن الديمقراطي، الذي يمكن تجاوزه أو خرقه أو تفاديه أو حتى تعطيله تحت طائلة الجائحة، لكن المغرب قرر بشكل يمثل تحديا كبيرا الالتزام به، حتى لا يتحول الاستثناء إلى قاعدة، فأحيانا يتم القيام بأعمال تحت مسمى الحالة الاستثنائية لكنها لا تبقى كذلك ويستغلها البعض لتصبح دائمة.
لماذا رفع المغرب لواء التحدي الديمقراطي زمن الجائحة؟ بأية أدوات سيتم التعاطي مع هذا الملف؟ وهل الأحزاب السياسية في مستوى التحدي؟
رفع المغرب التحدي لأن الجائحة علمت بلادنا أن تتعاطى مع الواقع كما هو لا كما يريده رجل السياسة، الذي يسعى للوصول إلى المؤسسات دون تعب، لكن عندما بدأت الجائحة وظهرت أول حالة للإصابة بفيروس كورونا، ظلت الحكومة تلوك الإنشاء الفارغ، فتدخل جلالة الملك محمد السادس وأعطى التعليمات الصارمة لاتخاذ إجراءات وقائية منضبطة بالقانون، فتم فرض الحجر الصحي وفق القوانين الجاري بها العمل وتم تعويض المتضررين، وتم رفع الحجر تدريجيا، وكل ذلك تحت رعاية القانون.
في ظل الجائحة والحجر الصحي والإغلاق الشامل بقي البرلمان يشتغل لم يتعطل لدقيقة واحدة، وهذه طبيعة البلدان الديمقراطية، لأن البرلمان، هو القاعدة الأساس لأية ممارسة ديمقراطية، وأي قرار من خارج دائرته يعتبر غير قانوني إلا إذا خضع لقوانين أنتجتها المؤسسة التشريعية.
لكن، غذا كانت الدولة رافعة للتحدي والحكومة بما أنها أداة تنفيذية أيضا مستعدة لرفع هذا التحدي بل أعلنت عنه من خلال وزير الداخلية، فهل الأحزاب السياسية التي غابت خلال الجائحة قادرة على رفع التحدي؟ يبدو أنه لابد من إعادة النظر في عمل الأحزاب السياسية وفق دفتر تحملات، وهذه العملية ليست مخالفة لقواعد الديمقراطية مادام أهم مشروع قانون تتم مناقشته اليوم هو الرفع من الدعم العمومي الموجه للأحزاب السياسية.