تواجه واحات المغرب، التي شكلت عبر القرون منارات للحياة في قلب الصحراء، تحديات غير مسبوقة تهدد وجودها، وفقاً لتقرير حديث نشرته مجلة ناشيونال جيوغرافيك الأمريكية في عدد يونيو 2025. وأكد التقرير أن التغير المناخي، الهجرة، وفقدان المعارف التقليدية عوامل رئيسية تدفع هذه الأنظمة البيئية الفريدة نحو الزوال، ما يثير قلق الباحثين والمزارعين على حد سواء.
وركّز التقرير على واحة محاميد الغزلان، جنوب المغرب، حيث تحول مجرى نهر درعة إلى رمال وحصى، ولم تعد المياه تصل إلى الأراضي الزراعية التي كانت تزدهر فيها أشجار النخيل والمحاصيل التقليدية. وحذر الخبراء من أن المغرب قد يشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة يصل إلى 5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن، مع انخفاضٍ في التساقطات المطرية يتراوح بين 30 و50%، مما يؤدي إلى تراجع حدود الواحات بأكثر من 90 متراً سنوياً.
ويروي حليم السباعي، أحد سكان الواحة، كيف تحولت محاميد الغزلان من منطقة خصبة إلى أرض جرداء، قائلاً: “عندما لا توجد مياه ولا نباتات، تصبح الرمال عدواً لا يرحم، فتحتل الأرض وتبتلع الحياة”. أما عبد الكريم بناوي، المزارع المحلي، فيصف الوضع بأنه كارثي، مؤكداً أن استمرار النشاط الزراعي في هذه الظروف أصبح رهاناً خاسراً.
ويشير التقرير إلى أن ضخ المياه الجوفية باستخدام الطاقة الشمسية، رغم أهميته، قد يسرّع تدهور الأحواض المائية، ويؤدي إلى زيادة ملوحة التربة، مما يهدد نخيل الواحات، الذي يعتبر الركيزة الأساسية للنظام البيئي. ويوضح الباحث المغربي محمد آيت المختار، من جامعة الحسن الثاني، أن الحفاظ على هيكل الواحات مرهون بحماية النخيل، محذّراً من أن فقدانه سيؤدي إلى انهيار التوازن البيئي في المناطق الصحراوية.
وفي ظل هذه الأزمة، تشهد الواحات نزوحاً متزايداً للسكان بحثاً عن ظروف معيشية أفضل، حيث انخفض عدد السكان بنسبة 20% خلال العقدين الأخيرين، وتحوّلت القرى إلى تجمعات مهجورة تلتهمها الرمال شيئاً فشيئاً.
ورغم خطورة الوضع، يؤكد التقرير أن هناك أملاً في إنقاذ هذه الأنظمة البيئية، إذ يرى الخبراء أن المعرفة التقليدية المدعومة بالابتكار قد توفر حلولاً ناجعة لمواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على استدامة الواحات. ومع تهديدات مماثلة تطال نحو 150 مليون إنسان في شمال إفريقيا وآسيا، تبدو الحاجة ملحّة إلى إجراءات دولية عاجلة لحماية هذه العوالم الهشة من الاختفاء.