يحتاج تقرير الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم إلى تقييم بدوره، وهذا شأن أي تقرير باعتبار دائرة النقصان التي تعتري كل عمل، لكن كثير من خلاصاته لا يمكن إلا قبولها، لأنها من شبه المتفق عليه، الذي قامت الجمعية بتأطيره بلغة الأرقام، فالمنظومة التعليمية تعاني منذ سنوات طويلة، بل كان وما زال هناك استهداف لها، مما أوصلها إلى الحضيض الذي تعيشه اليوم.
المسؤوليات متعددة ويساهم فيها كل أطراف العملية التعليمية، لكن تبقى الحكومة وأساسا الوزارة الوصية تتحمل القسط الوافر من هذه المسؤولية باعتبارها المسؤولة عن الاستراتيجية التعليمية، التي حوّلت التلاميذ إلى “فئران” تجارب، كل مرة تنزل بمخطط بيداغوجي مختلف الغرض منه خارج عن أهداف العملية التربوية والتعليمية.
وصف التقرير المنظومة التعليمية بأنها مصنع كبير لتخريج الأشباح، لأن أغلب التلاميذ الذين يلتحقون بالإعدادي لا يستحقون النجاح، إذا تم الاعتماد فقط على المعدلات التي حصلوا عليها في الامتحان الإقليمي، بمعنى أن هناك اعتمادًا على نظام آخر مضاف إلى الامتحان الأساسي بواسطته يتم التحكم في النسب المرتفعة من النجاح غير الواقعي.
في زمن كان الانتقال إلى القسم الموالي يتم عن طريق المعدلات، ومن لم يحصل على المعدل يبقى في القسم سنة أخرى، لكن تم في فترة أخرى اعتماد نظام النسب وبالتالي لا تتم إعارة المعدلات أي اهتمام، فإذا أخذنا مثلا نموذج 80 في المائة ممن ينبغي أن ينتقلوا فلا يهم أن يكون آخر منتقل بمعدل ناقص جدا عن المتوسط، وبالتالي تم تصعيد تلاميذ لا يعرفون شيئا إلى مستويات أكبر من مستواهم، حتى أننا نجد أن تلاميذ في السنة الأخيرة من التعليم الابتدائي ما زالوا يتعثرون في معارف القسم الأول أو الثاني.
مصنع كبير لتخريج الأشباح هو التعبير الدقيق لوصف هذا الوضع، فالشبح ليس هو الطيف الخيالي كما يتبادر إلى الذهن، ولكن هو الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، فتلميذ لا يعرف معطيات التعليم الأولي لا يمكن أن يصل إلى الإعدادي، وعندما يصله “فارغا” لا يستوعب المعارف الجديدة، وبدل مراكمة المعرفة يراكم الجهل.
فالوزارة اليوم لا تدير العملية التعليمية ولكن تُدبر “الجهل المتراكم” عبر السنين، وتتوقف في فترات زمنية لتغير طريقة التعامل مع طبقات الجهل داخل المستويات التعليمية، وصولا إلى الجامعات التي لم تعد تعطينا خريجين من المستوى العالي وإنما أناس يفكون شفرة القراءة والكتابة دون مهارات، في وقت كانت الجامعة تمثل مرحلة عمرية تعني أن من وصلها يمتلك مهارات تعلم كبيرة.
قلنا إن كل أطراف العملية التعليمية مسؤولون بنسب مختلفة، وفيما المدرس، فقد وقف التقرير على كارثة غياب التكوين والتأهيل ناهيك عن الفساد الممارس داخل هيئة التدريس التي كثير من أعضائها يفرضون دروس الدعم المؤدى عنها التي أصبحت سلاحا فوق رقاب الآباء.