من شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم، رحمه الله، نستعير عنوان هذه الافتتاحية لوصف ما وصل إليه المعرض الدولي للكتاب وما وصلت إليه الثقافة عندما أصبح يديرها غير المثقفين، ولما ننعت البعض بغير المثقفين فليس في ذلك ما يشينهم ولكن هذا وصف لواقعهم:
إذا كان في كل أرض ما تُشانُ به = فإن طنجةَ فيها المطعمُ البلــــدي
أخلاق سكــانها كالمسك في أرج = بعكس أخلاق رب المطعم البلــدي
يأتيك بالأكل و الذبانُ يتبعــــــــه = و كالضباب ذباب المطعم البلــــدي
والبقُ كالغول جسماً,إن جهلتَ به= فعُشُهُ في فراش المطعم البلــــدي
ما بالبراغيث إن تثاءبت عجب = لما ترى حجمها بالمطعم البلــــدي.
بعد تهريب المعرض من الدار البيضاء إلى الرباط تم أيضا تهريب الخدمات، التي تبقى أشد الأمور التباسا في هذا المعرض الرباطي، وليس في هذا أي معرة لعاصمة المملكة التي تستحق أكثر من معرض للكتاب والثقافة والفنون، ولكن المعرض الدولي للكتاب بالدارالبيضاء، لم يعد فقط موعد سنوي ولكنه تكريس لتاريخ، حيث أصبح موعدا دوريا ينتظره الناشرون والمثقفون من كل أنحاء العالم.
فما معنى أن تقوم بتهريب معرض للكتاب، وعندما تذهب إليه يذكرك بالمطعم البلدي، حيث أول ما يوجهك هو أين تركن سيارتك إن كنت ما زلت مصرا على استخدامها “ضدا” في زيادات أخنوش في أسعار المحروقات، حيث تعثر على مكان متسخ لا يطاردك فيه الذباب فقط ولكن جميع أنواع الحشرات.
لقد ساهم الوزير بنسعيد في تحويل المعرض إلى سوق أو جوطية، حيث فقد المعرض معناه ومبناه، فالمعرض منطقا وعرفا هو استقبال دور النشر كي تقدم إصداراتها الجديدة وتمكين المثقفين من التواصل مع جمهور القراء، لكن هيهات هيهات. ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال.
تعاني وزارة الثقافة من انحدار كبير، وهي الوزارة التي تولاها محمد الفاسي، واحد من كبار المثقفين المغاربة، ومر منها الفيلسوف المغربي علال السي ناصر، ومر منها محمد الأشعري، الشاعر والكاتب، وجاء إليها محمد بنعيسى وهو يحمل معه مشروعا ثقافيا كبيرا، حيث كان ينظم مهرجان أصيلا، الذي يجمع مثقفي العالم من كل حدب وصوب، وما زال إلى يوم الناس هذا مصرا على تنظيمه، وهو رجل الثقافة قبل كل شيء، ومر منها الفيلسوف المغربي بنسالم حميش، رغم الملاحظات التي يمكن أن تقال عن فترته، ككل الوزراء، لكن اليوم يتولاها رجل لا علاقة له بالثقافة والفن حتى من باب التسويق.
تمتلك وزارة الثقافة من الإمكانيات ما يخولها أن تكون رائدة في المجال، فقبل الحديث عن المعرض الدولي للكتاب، لابد من الحديث عن الخطة لتسويق الثقافة، ولا يمكن تسويق الثقافة بطريقة سمسرة الأراضي ولكن تحتاج إلى رؤية ثقافية لأن الربح الوحيد من الثقافة هو تأهيل الأجيال وتربية الذوق من أجل مستقبل البلاد.