في كل عيد أضحى، يُعيد المغاربة النظر إلى طقس الأضحية ليس فقط باعتباره شعيرة دينية عظيمة، ولكن أيضًا كفعل رمزي يعكس قيم التضامن والوحدة، ويجدد الصلة بين القيادة والشعب على نهج رسول الله محمد ﷺ. وتأتي المؤسسة الملكية، في هذا السياق، لتكرّس هذا المعنى من خلال اقتدائها بسنة النبي، خاصة في تقليد ذبح أضحيتين: واحدة عن نفسه، وأخرى عن أمته.
في السنة النبوية: أضحيتان عن النفس وعن الأمة
ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ أنه ضحّى بكبشين أملحين: أحدهما عنه، والثاني عن أمته، من لم يُضحّ منهم. وهذا الفعل النبوي ليس مجرد طقس تعبدي، بل يحمل رمزية عالية في تمثيل المسؤولية الجماعية، وتعبير عن الشفقة والقيادة الروحية.
الملكية المغربية ووراثة الرمزية الدينية
بصفتها “إمارة للمؤمنين”، لا تُمثل المؤسسة الملكية في المغرب سلطة سياسية فقط، بل تتقمص أيضًا دورًا دينيًا وتاريخيًا، متجذرًا في الارتباط بالنسب النبوي الشريف والزعامة الدينية. وفي هذا السياق، يعتبر ذبح الملك لأضحيتين تقليدًا له دلالة مزدوجة:
دينية: من خلال الاقتداء المباشر بسنة رسول الله ﷺ.
رمزية: حيث يُعبّر هذا الفعل عن شمول العناية الملكية بجميع أبناء الأمة المغربية، وخاصة المعوزين منهم.
القيادة بالقدوة: من الشريعة إلى السيادة
يمثل هذا السلوك السنوي تجسيدًا لما يمكن تسميته بـ”القيادة بالقدوة”. فكما أن الرسول ﷺ جسّد دور القائد الذي يضحي عن أمته، كذلك يقوم الملك بتكريس هذا المعنى في مجتمع معاصر، يزدهر فيه الحس الديني ويتشابك مع الهوية الوطنية.
الوحدة والتكافل: رسالة ضمنية
في بلد تتفاوت فيه مستويات العيش، تأتي هذه البادرة الملكية كرسالة قوية بأن القيادة ليست بعيدة عن هموم الناس. فرمز الأضحية الثانية عن “الأمة” يُمكن تأويله أيضًا كإشارة إلى تكافل الدولة مع المواطنين، خاصة في الأعياد والمناسبات الكبرى.
و يعيد فعل ذبح الأضحيتين – كما فعل رسول الله ﷺ – تمتين العلاقة بين الدين والدولة في المغرب، ويجعل من المؤسسة الملكية ليس فقط رمزًا سياسيًا، بل أيضًا نموذجًا دينيًا ووجدانيًا يُلهم الشعب، ويُعزز وحدة الأمة في ظل قيم الرحمة والتضامن والاقتداء بالسنة النبوية.