في العنوان وضعنا “التعاقد” بين معقوفتين، لأن الموضوعية في العمل الصحفي تقتضي تسمية الأشياء بمسمياتها، فهم الآن “الأساتذة أطر الأكاديميات”، ويسمون أنفسهم “الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد”، وليس مهما عندنا الوقوف عند أصل التسمية ولكن الوقوف على تخوم الموقف السليم مما جرى ويجري، خصوصا بعد إعلان ثلاث نقابات “عتيدة” التضامن مع “أساتذة التعاقد”. وهي النقابات التي فقد دورها كوسيط وحاضنة اجتماعية لفئة من المجتمع اختارت التدريس مهنة.
في البداية لابد من تحديد دقيق لطبيعة الملف، دون مزايدات من هذا الطرف ولا تحامل على طرف آخر. فالملف بدأ عندما أقرت حكومة عبد الإله بنكيران التعاقد، رغم أن اليوم النقابة التابعة له تحاول التنصل من الملف عبر تضامن ملتبس معهم. وبعد أن تم توظيف العديد منهم عبر نظام التعاقد، هناك من أوحى لهم بأن الحكومة لا حق لها في ذلك فسموا أنفسهم “الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”.
واستجابت وزارة التربية الوطنية لمطلب الحوار، وتم الإنصات للملف المطلبي وتمت معالجته، بطريقة منصفة تقريبا، حيث تم إلغاء نظام التعاقد لفائدة نظام التوظيف عبر الأكاديميات، وفق النظام الأساسي لهذه الأخيرة، وهو نظام لا يختلف عن التوظيف في باقي القطاعات العمومية، وتمت معالجة كافة الملفات عبر لجن متخصصة، وهكذا تم حل العنوان الكبير للملف الذي يتعلق بالترسيم.
وبعد حل العنوان الكبير ظهرت عناوين فرعية من قبيل التسجيل في صناديق التقاعد والانتقال. وقضية التقاعد في طريقها للحل عبر التعاقد مع الصندوق المغربي للتقاعد، وبالتالي سيكون الأمر انتهى يصبح الأساتذة أطر الأكاديميات مثلهم مثل باقي موظفي القطاع العام. وتبقى قضية الانتقال، فهي محددة في جغرافية الأكاديمية، وهي نظام معمول به في العديد من القطاعات مثل الجماعات الترابية وغيرها، وهذا الأمر يتم حله عبر التبادل، لكنه ليس مشكلا عويصا يستدعي التصادم مع القوات العمومية في الشارع العام.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن الصدام في الشارع العام ناتج عن احتلال الشارع العام. يسمح القانون بالتظاهر في حدود عدم عرقلة السير الطبيعي للحياة، لكن ما تم هو مسيرة وليس تظاهرة ولهذه الأخيرة قواعد وضوابط قانونية، وتم تسجيل تعنيف هؤلاء الأساتذة من قبل شخص، قيل إنه عون سلطة، وملفه الآن بين يدي القضاء ليقول كلمته فيه، أما القوات العمومية فدورها هو تحرير الشارع العام عند احتلاله مهما كانت المبررات.
والغريب أن من كان مخولا تأطير الأساتذة أطر الأكاديميات أو المفروض عليهم التعاقد حسب التسميات، هو النقابات، لكنها ركبت أيضا الموجة وبدل التوسط من أجل حلول طبيعية علمتهم رفع الشعارات التي لا نهاية لها، وبدل أن تلعن شيطان التحريض قامت هي أيضا بإضراب لمدة يومين ضاعا من عمر الزمن التعليمي التائه اليوم بين ملف غامض وظروف الطوارئ الصحية.
طبيعي أن يركب الأساتذة أطر الأكاديميات قطار الفوضى لكن من العيب أن تساهم النقابات في ذلك.