إدريس عدار
الحرب مأزق إنساني خطير. لا يحبها إلا فاقد للإحساس كافر بنعمة السلم والسلام أو تاجر سلاح وحروب. مأزق لأنها تطرح أسئلة لا جواب عنها. لماذا تتحارب الدول؟ أي قيمة للإنسان وهو يرى كل هذا الدمار؟ وهل تدخل الإبادة ضمن الحروب؟ أليست الحروب خاصة بالجيوش؟ ما دور القانون الدولي في ماية المدنيين؟ وهل من يشعل الحروب يفكر أصلا في المدنيين؟ أحيانا تتساءل: لما نتشاجر على التوافه أحيانا؟ أليس هذه من تلك؟
ما نراه من بشاعة اليوم ومن دمار وخراب وقتل بعيد عن أخلاق الحرب، نعم أخلاق الحرب، هو نتاج لغياب الشجاعة التي تميز بها الفرسان. هناك احتماء بالتفوق التقني فقط. أمام هول هذا القتل والدمار الذي نعيشه يجلس “المفكر” و”الكاتب” و”المثقف” فوق مكتبه ليخط جملة أو ينقر على أزرار حاسوبه كلمات تقول “لست معنيا بهذا الموضوع فالوطن أولا”.
الوطن أولا وثانيا وثالثا ودون ترتيب مع قضايا أخرى. لكن كيف تحب وطنك؟ ما هي العلاقة التي تربطك به؟ هذه تحددها الوطنية، التي عرفها كثيرون بأنها غريزة حب الوطن. نشدد هنا على مفردة “حب”. كيف تتم صياغة العلاقة بين المواطن والوطن؟
المؤرخ البريطاني إيلي كيدوري، المولود ببغداد في الربع الأول من القرن العشرين، وعند تمييزه بين القومية والوطنية، اعتبر الأولى مذهبا فلسفيا وسياسيا ناضجا، يتمحور حول اعتبار الأمم وحدات أساسية للبشر، والوطنية هي مجرد عاطفة تؤثر بها البلد في الفرد. واعتبر آخرون أن كل من القومية والوطنية تتضمن حب واندماج واهتمام خاص بالكينونة. الوطنية هي الكينونة التي تجسد وطن الفرد والقومية هي الكينونة التي تجسد أمته.
على أية حال لا يمكن اعتبار الوطنية بعيدة عن الحب والعاطفة.
مفكر أو مثقف أو كاتب لم تحركه الإبادة في فلسطين. لم تهتز عاطفته لآلاف الشهداء. أطفال تسحقهم آلة القتل. نساء يموتون كل يوم. توزيع مجاني للموت. مبررات غير حقيقية. لن ننبس ببنت شفة لو أنهم يواجهون المقاتلين. والمقاومة نفسها لا تستعمل عبارة “ننعي” ولكن عبارة “نزف” عندما تقدم شهداءها. مثقف من هذا النوع لا عاطفة لديه أمام هذا القتل يزعم أنه يفعل ذلك حرصا على “الوطن”.
منزوع العاطفة كيف يكون وطنيا؟ ما الذي يجمع بالوطن؟ ما يجمعنا بالوطن هو العاطفة وليس العقل والحسابات. من يحسبها هو صاحب الصفقات. وكثير من “الوطنيين” يبيعونه لأول من يشتري.
هؤلاء الناس الذين يعيشون في الجبال وفي القرى والمداشر وحتى المدن ويرتبطون بالوطن ومستعدون للموت من أجله، هل تساءلنا عما يجعلهم بهذا المستوى؟ هل فكروا يوما في معنى الوطنية. لا. يربطهم بالوطن العاطفة. بدون عاطفة لا تحب الوطن ولكن تحب ما يعطيك الوطن. وبالعاطفة تحبه بلا حساب وبلا أجر.