محمد فارس
مرّتْ [عاشوراء] منذ أيام، وهي تصادف يوم (10) من محرم؛ وكلّ سنة أرى الشّيعة يجْلدون ظهورهم، ويندبون وُجوههم، وينتحِبون في مجامِع خاصة بهم حزنًا على قتْل سيِّدنا [الحسيْن] رضي الله عنه، وفي قنواتهِم وحُسَيْنياتِهم يحمِّلون مسؤولية قتْل [الحسيْن] لِلسُّنة، وأهلُ السُّنة من ذلك براء، لكنّ الملاحَظ هو أنّه كلّما حلّت السّنة الهجرية الجديدة، ازدادَ المسلمون فرقةً، وتمزّقًا، وعداءً بيْن سنّة وشيعة.. إنّنا ندْرس التاريخَ لكي نستفيدَ منه لحاضرنا ومستقبلنا، وهذا هو مقصد الشعوب الحيّة من دراسة التاريخ؛ ومن السّخرية أن نتجادلَ اليوم أو نَختلف على أمرٍ مضى عليه (14) قرنًا من غيْر أن نَنْتفِع منه لحاضرِنا أو مُستقبلِنا شيئًا..
وهناك حقيقة يسكُت عنها الشيعة ولا يطرحُونها أبدًا للنّقاش لِتضلِيل المتشيّعين أو الذين يريدونهم أن يتَشيّعُوا، وهو أنّ الإمام [علي] كرم الله وجهه خَذَلتْهُ شيعَتُه ولم يبْقَ معه من الأنصار المخلصين سوى عدد قليل، وهو ما تكرّرَ في أيام ابنه [الحسيْن] رضي الله عنه.. عندما طلبه الشّيعة في [كربلاء] القدومَ إليهم ليبايعوه وينصُروه، حذّره الشاعر [الفَرزْدَقُ] عندما لقيه في الطّريق وقال له: إنّ قلوبَ الناسِ معك، وسيوفهُم عليك]، ولكنّ [الحسيْن] تابع طريقَه، ويومًا بعد يوم، كان عددُ أنصاره يتناقص، ولبثَ أهل [كربلاء] في بيوتهم، وبدأ [الحسيْن] المعركةَ بـ(70) فردًا فقط من رجاله ضدّ جيشٍ بلغ تِعدادُهُ (4000) مقاتل، فقطع [ابن الجَوْشَن] رأسَ [الحسيْن]، وحُمِلتْ إلى [يزيد] في [دمشق]، وبذلك انتهت ثورةُ [الحسيْن]..
ما زِلْنا إلى يومنا هذا نتصارع، ونتجادل، ونزداد عداءً، وكلٌّ منّا سنّة وشيعة يحاول إعطاءَ الدّليل حوْل مَن كان أحقّ بالخلافة أهو [عليّ] أم [معاوية]، وكلٌّ منّا يجد الدّليلَ في مراجعه وأقوالِ علمائه، ولستُ أدري ماذا يريد هؤلاء وهؤلاء من جدَلهِم ومشادّاتهم الكلامية، فلو كان [علي] و[معاوية] سيرْجعان إلى هذه الحياة مرةً أخرى، لوجدْنا لهؤلاء عُذْرًا فيما يتجادلون فيه، ولكنّ [عليّا] و[معاوية] ذهبَا إلى ربِّهما منذ زمنٍ بعيد، وهما الآن بيْن يديِ الله، ولن يَرْجعا إلى هذه الحياة ولو ملَأنا الدّنيا عليهما جدلاً وخصامًا.. إنّ أبطال التاريخ لا أهمّية لهم إلاّ من حيث مبادِئُهم الاجتماعية التي كانوا يسعون وراءَها، ونحن حين ندرُس التّاريخ، نريد أن نستشفّ منه تنازُع المبادئ فيه، ونتّخذ الأبطال رموزًا لتلك المبادئ.. فنحن إذ نَدرُس النّزاعَ بين [عليٍّ] و[معاوية] مثلا، نرى فيه تصادُما بيْن مبدَأيْن متضادّين، أحدهما يحرصُ على أموال الأمّة، ويريد مصادَرة الأموال الضّخمة، وإلغاء الإقطاع، والتّسْوية في العطاء، والآخر يريد أن يقسِّم أموالَ الأمّةِ كما يشتهي السّلطانُ، وما تقتضيه مصلحتُه الخاصّة.. ودراسة هذا النزاع تفيدنا كثيرا في حياتنا الحاضرة، لأنّها تلقي ضوءًا على ما نعاني اليوم من مُشكلات اجتماعية واقتصادية، لاسيما ونحن نمرُّ بمرحلة قاسية تتّسع فيها الثّغرة بيْن المتخومين والمحرومين..
إنّ النّزاعَ بين [عليّ] و[معاوية]، هو أعمق بكثير، إنّه نزاعٌ جذري إذ لا يدور حوْل أخطاء بسيطة، إنّما هو يدور حوْل مصير الأمّة: هل تجري في طريق العدالة الاجتماعية أم تجري في طريق الحكم الطّاغي الذي لا يعرف عدلا ولا مساواة.. إن الناس في ذلك العصر، لم يَفهموا أهمّية ذلك النزاع حقّ الفهم، فالعامة كانت تجري وراءَ المسؤولين، والمسؤولون كانوا يميلون نحو من يعطيهم من المال نصيبًا أوفَر، ولا يهمُّهم أن يَكونَ هذا المالُ منهوبًا أو مغصوبًا.. وإلى يومنا هذا، ما زِلْنا لم نَرَ دِراسةً اجتماعية دقيقة لنزاعِ [عليٍّ] و[مُعاوية]، لكن نجد أهْلَ السّنّةِ يرَوْنَ [عليًا] و[معاوية] كلَيهما مجتهدَيْن، ثمّ يعود أهلُ السّنةِ فيقولون إنّ [عليًا] كان مُصيبًا في اجتهاده و[معاوية] كان مُخْطئًا، والمجتهد مُثابٌ ومأجورٌ حين يُخْطِئ وحين يصيب.. أما الشّيعة فيرَوْن في القضية نزاعًا بين مُؤْمِن و(؟)، ثم لا يتَغلغلون وراء النّزاع ليفحصوا المبادئ الاجتماعية التي تكْمُن هناك.. وهكذا، ترى أنّه لا سُنّة ولا شيعة اهتدَوا إلى دراسة نزاع [عليّ] و[معاوية] دراسةً اجتماعيةً تمكِّنُنا من استخلاص العبر، خصوصًا ونحن اليوم نعيشُ في ظلّ حكومات جائرة، ونعيشُ غيابَ عدالة اجتماعية شاملة وديمقراطية حقّة كاملة؛ هذا ما يجب دراستُه والتّعمقُ فيه للاستفادة منه في حاضرنا المؤلم.