على مقربة من الانتخابات تتحرك الأحزاب السياسية، الحية منها والميتة، قصد الاستعداد للنزال التاريخي للفوز بالأصوات والمقاعد والدعم، ومن أهم الأمور التي يجري الحديث بشأنها القوانين الانتخابية، فعند كل انتخابات يعود الحديث عن اللائحة الوطنية للنساء ونظيرتها للشباب والتقطيع الانتخابي وطريقة الترشيح والتصويت، وكل حزب بما لديهم فرحون وكل واحد يدافع عن مصالحه بينما مصالح الشعب موجودة في الخطاب وتحت عنوانها تمر المصلحة الشخصية والحزبية.
في البرلمان اليوم مجموعة من التعديلات على القوانين الانتخابية، تتعلق بطريقة التصويت، وهل سيكون التصويت باللائحة أم بالفردي، وهل سيتم الإبقاء على لائحة الشباب أم سيتم الحسم معها باعتبارها ريعا؟ في افتتاحية الأمس تحدثنا عن لائحة الشباب ودافعنا عن إلغائها بحكم أنها تؤسس لثقافة سياسية اتكالية وتقتل روح المبادرة والتطلع لدى الشباب. واليوم نتحدث عن القوانين الانتخابية.
على أهمية القانون في ضبط العملية الانتخابية فروحه تبقى هي الأولوية، ولا معنى لتنزيل أي قانون إن كان مجرد بنود يتم الالتزام بها دون تحقيق الهدف من ورائه، فلا معنى لتطبيق القانون الجنائي إن لم يحد من الجريمة وتكاثر المجرمين، وقبل هذا وذاك القانون مرتبط بالعنصر البشري، وإلا كيف يمكن تنزيل قوانين محاربة الرشوة إذا كان لديك موظف يقول “شحال تعطيوني نحيد ليكم الرشوة”.
في الانتخابات هناك عنصر متحكم وفاعل ألا وهو الأحزاب السياسية. فهي من بيدها الحل والعقد في هذا الشأن، ويمكن أن تتفق على قانون وتصوت عليه إذا توفرت لديها أغلبية. وبالتالي فإن المشكل في المغرب ليس مشكل قوانين انتخابية، وهو مطروح طبعا، ولكن مشكل أحزاب سياسية حوّلت العملية الانتخابية إلى لحظة لتحقيق المصالح الشخصية، والدفاع عن القوانين التي تخدم هذه الفئة دون أخرى.
ومرة أخرى نقول إنه ليس بالعيب ولا من العيب أن تدافع الفئات عن مصالحها، وهذا يحدث في كل الديمقراطيات في العالم، لكن بأي أداة وبأية إرادة؟
داخل البرلمان ينبغي أن تتنافس الإرادات لا المصالح، التي يمكن تحقيقها من داخل الصراع، ويبدو اليوم أن الإرادات منعدمة، لهذا لا نعثر على فعل ولا نرى أثرا لمرور برلماني مدة خمس أو عشر سنوات.
البرلمان هو كيان محايد. لكن المنحاز فيه هو العنصر البشري، الذي هو هنا كائن سياسي، وبالتالي فإن الأحزاب السياسية مسؤولة عن قيمة البرلمان وضعفه من ضعفها وقوته من قوتها، ولهذا ركزنا أمس على أن اللائحة المخصصة للشباب كانت مجرد آلية لإرضاء الغاضبين أو تعويض المطيعين، ولا جدوى منها إن لم يتم فتح الأبواب الحزبية للشباب قصد تولي المناصب العليا في الحزب، فكيف لا ترضى بشاب أن يكون قياديا وترضى به برلمانيا؟ هذا له معنى واحد هو أن البرلمان ليست له قيمة إلا بكونه له مردودية مادية ومعنوية يستفيد منها القياديون في الحزب.