يقول المغاربة في محكم لغتهم البليغة “الحساب صابون”، بمعنى يغسل أوساخ المجتمع، وحتى في المعاملات الصغيرة، يقولون “كلني ماكلة خوك وحاسبني حساب عدوك”، لأنه كلما كان الحساب مضبوطا كانت العلاقة جيدة، فما بالك إن كان الحساب يتعلق بدولة كاملة ومؤسساتها التي تتصرف في المال العام.
قام المجلس الأعلى للحسابات بنشر تقريره السنوي بالجريدة الرسمية، التي تعتبر أكبر عملية توثيقية لتاريخ المغرب القانوني، منذ قرن من الزمان، وكان المجلس قد عرض هذا التقرير أمام البرلمان في إطار التواصل مع نواب ومستشاري الشعب.
ما زلنا نصر على أن التقارير التي تصدرها المؤسسات، التي خولها الدستور صلاحيات رقابية، تبقى دون جدوى ومن غير فعالية إن لم تتبعها المحاسبة، وحسنا فعل المجلس عندما قدم 20 ملفا أمام المحاكم تتعلق بمراقبة الأوراش الكبرى. ولكن ما زلنا نعتقد أن ما ينبغي فعله أكبر مما هو قائم الآن، فما دام المفسدون مرتاحي البال فإن العملية الرقابية لم تصل إلى مداها.
غير أن النظر إلى الكأس بجزئيه يفرض علينا القول إن عملية النشر مهمة جدا، فهي تدخل في سياق الشفافية ومزيد من النزاهة، فنشر التقارير عملية تواصلية تهدف إلى إيصال رسائل إلى من يعنيهم الأمر، فإن لم تكن وسيلة عقابية فعلى الأقل هي أداة للكشف والفضيحة، وهذا له بعد أخلاقي يمكن أن يردع الفاسدين ويعيدهم إلى الطريق الصواب.
الشفافية جزء لا يتجزأ من عملية النزاهة ومحاربة الفساد، فهي تعني عدم التستر على أي واحد من المفسدين أو من المفرطين أو حتى غير المهتمين لأن كثيرا من المال العام يضيع هدرا ليس لأن المسؤول عنه فاسد ولكنه بلا ضمير وغير مبال بضرورة القيام بالواجب كما يفرضه القانون والأخلاق قبله.
إن النشر مهم جدا، لكنه مهمة تواصلية كما قلنا، وبالتالي لن يكون معنى لهذه التقارير ما لم تكن مصحوبة ومتبوعة بالمحاسبة والمتابعة الدقيقة، وفي ذلك تشديد الخناق على المفسدين، الذين لا يمكن قطع دابرهم بسرعة كما يعتقد البعض، وكل قوانين الدنيا غير قادرة على محاربة الفساد ونتذكر النكتة المغربية التي تقول “قال ليهم شحال تعطيوني نحيد ليكم الرشوة”.
لكن الفساد يقل في المجتمع من خلال تشديد الخناق عليه، عبر المحاسبة والمراقبة والمعاقبة والأهم هو المتابعة.
لن يكون لأي تقرير معنى إن لم يكن له أثر عملي على الواقع، واستمرار إصدار التقارير دون تفعيل خلاصاتها له مفعول سلبي، لأن المفسدين سينامون مرتاحين ما دام السابق لم تتم محاسبته فاللاحق سيفلت أيضا من العقاب، وهذا يشجع على كثير من الفساد والإفساد.
إذا جمعنا نشر التقارير بتفعيل الإجراءات الضرورية واللازمة للحساب والعقاب يمكن أن نخنق الفساد ونضيق عليه المساحة التي يتحرك فيها وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.