سناء البوعزاوي
“حب الأوطان من الإيمان”، عبارة جميلة لا طالما ترددت على أسماع جل المغاربة خصوصا في السنوات الأولى من الدراسة، فلا يختلف اثنان أن الوطن هو أغلى ما نملك وأننا مهما بذلنا لأجله فلن نوفيه حقه، فقد عشنا تحت ظله، وأكلنا من خيراته، وترعرعنا فوق أرضه وبين جنباته، وتوفر لنا بهذا الوطن الأمن والأمان، فمن منا لا يحب الوطن؟!
بعد هذا كله كيف سننشئ جيلا يحب وطنه الأم، وكيف سنعزز الثقافة الوطنية لديه ونبث الوعي بتاريخ الوطن وإنجازاته، وكذا تثقيفه بالأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن، والأهم من كل هذا تكريس مفهوم؛ ماذا أعطي لبلدي؟ ما هي إنتاجيتي؟ ولا يكون الهم فقط ماذا سآخذ من بلدي؟ فالمسؤول الأول عن المواطنة هو المواطن نفسه، فإذا صلح المواطن، صلح الوطن، فكيف يتم ذلك؟
حب الوطن انتماء فريد، وإحساس سامٍ وتضحية شريفة، على كل أب وأم تأصيل هذا الإحساس في نفوس الأطفال في وقت مبكر، فهو شرف ما بعده شرف. فتربية الأبناء على حب الوطن يولد عندهم الولاء والعمل المتواصل لنهضة ورفعة وطنهم، كما أنه يعلمهم أن هناك هدفا أكبر يعيشون من أجله في هاته الحياة، يتعدى هذا الهدف المصلحة الشخصية إلى المصلحة العامة.
لذا من خلال هذا المقال سنقدم بعض الوسائل التربوية لغرس حب الوطن في نفوس الأبناء وجعله حبا قويا، صامدا أمام الأخطار التي تحدق به والأعداء الذين يتربصون به.
أول خطوة وهي إعطاء القدوة دائما للأبناء بشكل عملي، حيث إنه من المهم أن يترعرع الطفل وهو يرى أمه وأباه يتابعون عن كثب أخبار الوطن وقضاياه، ويتأثرون بما يحدث سواء بالفرح والغبطة، أو بالحزن لا قدر الله، كذلك تكون القدوة بالانخراط في الانتخابات والمشاركة فيها والإدلاء بالصوت، من جهة أخرى يمكن أن تعطي القدوة في احترام القوانين والأنظمة بأن لا تتجاوز مثلا السرعة المسموح بها عند قيادة السيارة مثلا، وأن تحترم الأضواء سواء أكنت سائقا أو راجلا.
ثانيا، الاستعانة بقصص تنمي روح الوطنية وحب الوطن في نفوس الأبناء وسردها عليهم، بطريقة تجعلهم يعلمون علم اليقين بقيمة الأرض التي يعيشون فوقها، فمع تطور العلم الحديث من الممكن الاستعانة بقنوات اليوتوب، التي تقدم رسوما متحركة مثلا على صحرائنا المغربية، حيث إن الأطفال تستهويهم الصورة والسرد الفني.
الأمر الثالث الذي نراه مهما جدا وهو تدريب الأطفال على التعريف عن مشاعرهم الوطنية، فمن العيب على طفل مغربي مثلا، لا يستطيع أن يستظهر النشيد الوطني، والعيب كل العيب أن يخطئ في كلماته، فهذا بما لا يدع مجالا للشك دور الأسرة وكذا المدرسة في تنمية هذا الحس الوطني السامي، وبالموازاة مع هذا الأمر، من المستحب اصطحاب الأطفال إلى الأماكن التي تبرز فيها روح الوطنية كالندوات والمؤتمرات التي تحف جنباتها بالأعلام الوطنية فهذا يعمق حب الوطن وحسن الانتماء لدى الطفل منذ الصغر.
وأخيرًا وليس آخرَ من المفروض أيضا تدريب الأبناء على المواطنة، وذلك بأن تعلم ابنك أنه كما أن لك حقوقًا في هذا الوطن، فلك أيضا واجبات ومن بين الواجبات الإنسانية، احترام من يتعايش معك على أرض وطنك، مهما كانت توجهاتهم، وديانتهم فهم، إخوانك في الوطن لنا نفس الحقوق ونفس الالتزامات.
وكخلاصة للقول إنه في الحقيقة ليس هناك تعريف شامل للمواطنة، لأن المواطنة هي الوطن بكل ما فيه من قضايا مادية ومعنوية، بأطيافه وجماله ونواقصه وتعثراته، وكذا مستقبله وانطلاقاته، لكن الحلقة المهمة لإتمام المواطنة هي المواطن نفسه الذي يجب عليه أن يكون أول داعم لمفهوم المواطنة، وحرصه على احترام كل إنسان يمشي فوق أرض الوطن، بغض النظر عن توجهاته وديانته ولهجته…، وأن يلغي تماما فكرة “أنا وبعدي الطوفان”، لأن المواطن الحقيقي لا يمكن أن يكون أنانيا لأنه بهذا يفقد هويته، فالمواطن الحقيقي، هو ذلك المتعاون، والمتسامح، والمنصهر في ذات الجيران والأقارب والشعب ككل، والمواطن الفعال هو الذي يتخذ مع أولاده وذويه أسلوب النمذجة، فعلى سبيل المثال يرى كل يوم في باب المدرسة هناك قمامات، شرف الله قدركم، خاصة بحلويات الأطفال؛ يمكن أن يشتري سلة ويضعها على باب تلك المدرسة، فيكون بذلك قدوة ونموذجا يحتذى به وهي في نفس الوقت تربية للأطفال على المواطنة، دون الاستعانة بدروس المواطنة التي سيتلقنها لا محالة في المدرسة.
ولكن ما نريد أن نوضحه أن المواطنة سلوك وتعامل وأنشطة حقيقية ومشاريع تطوعية، وزيارات ميدانية، فمن بين الأنشطة التي يحبها طلاب المدارس مثلا؛ زيارة المتاحف ومراقبة عن كثب، التراث المغربي وفن المعمار وتاريخ المناطق، فهذا شكل كذلك من أشكال المواطنة ويؤسس حب جغرافية بلدنا وتميز موقعنا.
ونختم بمقولة جميلة عن حب الوطن “ومن كان في أوطانه حاميا لها، فذكراه مسك في الأنام وعنبر، ومن لم يكن من دون أوطانه حمى، ذاك جبان بل أخس وأحقر”.