محمد فارس
أيّةُ قيمة لدولة، وأيّةُ هيْبَة لسُلطة، وأيّةُ صوْلة لشرطة، وأيَّة كرامة لأمّة يُغتصَب أطفالُها، وتُهْتَك أعراضُها، وتُسفَك دماءُ شرطتِها من طرفِ كواسِر بشرية ليس لها من البشرية إلاّ الصّورة فقط، يعيشون بيْن ظُهْرانَينا، في صدورهم قلوبُ الشّياطين، تبرّأتْ منهم الإنسانية، وخاصمهم الدّين، وعُدِموا الورعَ والتّقوى، وما خافوا الله عزّ وجلّ، لأنّهم يعْلمون أنّ أحكامَه تعطّلَت في الدّنيا بسبب حُماة القتلَة والمجرمين ممّن يَخدمون تعاليم المنظّمات الهدّامة، ويروّجون لتعاليمِها، وينادون بإلغاء حُكْم الإعدام في مَن قَتل نفسًا بغير حق.. في [الإنجيل] تقرأ: [من قتَل بغير حقّ، يكونُ مستوجِبًا لِلْقتل]؛ وفي [القرآن الكريم] تقرأ: [ولكُمْ في القصاص حياة]، فأيّةُ حياةٍ بقيتْ لنا بعدما يموت المقتولُ، ويحيى قاتِلُه قريرَ العَين، مطمئنّا على حياته؛ وأية حياة بقيتْ لأمّة تدفِن المقتول، وتُعْنى بالقاتل، وأيُّ تقدُّم يتحدّثون عنه في هذه الأمة المنكوبة؟!
أية أمّة نحن حيث لا قيمة فيها للحياة؟ أمّةٌ تتحكّم فيها منظّمات هدم العروش؛ منظّمات ماسونية تَسير بنا نحو الهاوية، ونحن في غفلة من أمْرنا.. منظّمات تُكرس الفساد، والجريمة، والرّذيلة، بدعوى التقدّم، والحداثة، والحضارة، والحرِّية.. فأيّ دَعْم سيقدّم لعائلة الضّابط المقتول غدرًا، وإرهابًا، وقد فقَد حياتَه ويُتِّمَ أطفالُه، ورُمِّلَتْ زوجتُه، وأيّةُ حياةٍ سيحياها هؤلاء بعدما وارى المقتولُ التّراب! لم يَمُتْ لا على وطنه، أو عرضِه، أو مقدّساتِه، أو تفانيًا في مهنته! لكنْ من هم قتلَتُه؟ إنّهم أولئك الذين يحاربون أحكامَ الإعدام، ويدافعون عن حياة القتلَة، ويساندون الإجرام.. هذا ضابطُ أمن لم تعدْ له حُرمة، ولا هَيْبَة، ولا سلطة، فما بالُكَ بالمواطن العادي.. لو كان المجرمُ قد شاهدَ قاتلاً معلَّقًا في حبْل مشنقة، لما تجرّأَ على طعْن ضابط شرطة، ولكنّه رأى زملاءَه القتلَة يَنعمون بالحياة في “فندق” فخْم فيه كلّ متطلّبات الحياة الكريمة من أكْل، ونوم، وتغطية صحّية، وزيارة شهْرية، ورياضة بدنية، واستحمام، فقال يا لَها من جريمة وكم كنتُ بحاجة إليها حتى أبلغَ هذا النّعيم! فطُوبى للمجرمين، وقتلَة النّفس بغير حقّ في أمّة مغبونة لا حصانةَ فيها لِلشّرطي والمدني على حدٍّ سواء..
في الدّول الغَرْبية التي تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام، فإنّ قاتل الشّرطي يُعْدَم عُنوة ميدانيًا، فلا يُفتَح لا تحقيقٌ ولا هُم يَحزنون؛ هذا في [أوروبّا] العَلمانية.. أمّا في [أمريكا] فإنْ بقيَ القاتلُ على قيْد الحياة، فإنّه يَجلس على الكرسي الكهربائي، فتحوّله صدمةٌ كهربائية تتجاوز (3000) ڤولط إلى مومياء لا حسَّ فيها ولا حياة، وذلك جزاءُ من لا يَعرف قيمة الحياة، وهَيْبة السّلطة، وقيمة رجُل الأمن، في بلد الأمن والأمان.. فكم هي الدّول مِثْلنا في العالم الثّالث من تُنفّذ الإعدام في قتلة النّفس بغير حقّ ولم تُعِرْ أيّ اهتمام للمنظمات الشّاذة التي تنادي دومًا بإلغاء هذه العقوبة العادلة؛ فماذا أصابَها؟ وهل خافتْ من هذه المنظّمات؟ وكذلك نحن في هذا البلد، كان من المفروض أن يُعْدم قاتلُ ضابط الأمن شنقًا بمجرّد إلقاء القبض عليه؛ كان من الواجب شنقُه بدَل رمْيِه بالرّصاص، لأنّ في المشنقة إهانة له، وتحقيرًا لشخصه، واستصغارًا لحياته التي لا تساوي قيْدَ أُنمُلة.. كان كلّ مجرم محتمل سيفكّر ألْفَ مرّة قبْل أن يَقبضَ على سلاحه الأبيض ويَغدِر بأيٍّ كان..
والجريمةُ في القانون هو الفعل الذي يحاسَب عليه المجرمُ باسم المجتمع كلّه، لا باسم الفرد الذي تضرّر به، ومن الجرائم ما يعاقب عليه المجرمُ عقابًا شائنًا، لا عقابًا تأديبيًا مثْل السّجن المؤبَّد، كما أنّ الإعدام هو اختيارُ أمّة لا اختيارُ أفراد، وقد شاهدْنا أمّةً تخرُج إلى شوارع المدن وهي تنادي بتنفيذ عقوبة الإعدام في القتلة، والسّؤال هو: لماذا تستفتون الأمّةَ في الانتخابات مثلاً ثم لا تسمعونها وهي تصدح بأعلى صوتها مطالبةً بتنفيذ حُكْم الله في القاتل بغير حقّ؟ إذا كان الله عزّ وجلّ لا يتساهل مع قاتِل النّفس بغير حقّ، فكيف لكم أنتم أن تتساهلوا مع المجرم، وأنتم مجرّد عباد من عباد الله؟ فهل أنتم أعْدَلُ وأحكَمُ من الله جلّ جلالُه؟ بماذا عساكُم تجيبون يوم لقائه، يوم يحْشركم بمعية القتلة الّذين تساهلتُم معهم، ولم تنفّذوا حُكْمَه فيهم؟ فهل ستقولون له عزّ وجلّ إنّكم اتّبعتم تعاليمَ منظّمات وجمعيات نادتْ بإلغاء عقوبة الإعدام؟ هل تجيبونه بأنّكم كنتم تخافون من دولٍ قويّة، ومن حكومات ظالمة، وعواصمَ كفرتْ بالله وبأحكامه، وتنكّرت لِلدّين وتعاليمه؟ فيقول لكم الله عزّ وجلّ: اُنظرُوا، ها هُم أمامكم، تَرهَقُهم ذِلّة، ثم يتلو قوله: [أفَحسِبْتُم أنّما خَلقناكُم عبَثًا وأنّكُم إليْنا لا تُرجَعون].. فما دام حُكمُ الله معطَّل، فإنّ الجرائمَ ستستفحِل في الأمّة.. إلى اللّقاء عند جريمة أخرى قادمة، وهذا مؤكَّد؛ فلا حياةَ لأمّة لا تُحترَم فيها الحياةُ..