طارق ضرار
العارف ببعض تاريخ اليهود المغاربة في المغرب، والمطلع على ثقافة و تقاليد اليهود المغاربة، يكاد يجزم أن هذه الفئة من المغاربة منصهرة بشكل كبير مع جميع فئات المجتمع في المغرب، و لا تختلف تقاليدها في شيء عن أعراف وتقاليد المغاربة كافة، إلا من بعض التقاليد الدينية و التعاليم اليهودية المتبعة لديانة سيدنا موسى عليه السلام، ونشترك معا في صيام يوم عاشوراء بين المسلمين المغاربة واليهود المغاربة، فالمسلمين يصومون يوم عاشوراء صياما أوصى به النبي الكريم، فيما اليهود يصومونه شكرا لنجاة سيدنا موسى من فرعون، وهنا في المغرب انطلق عيد “الميمونة” التي يحتفي فيه اليهود في العالم بأسره، ومن هنا انطلقت أكثر التعاليم اليهودية صرامة و المتشددة المسماة بـ”حميس”، ولا عجب أن يزور كوشنير الدار البيضاء بحثا عن ابن الحاخام الذي تلقى على يديه تعاليم الدين اليهودي، و لا عجب أن نرى أكبر حاخامات اسرائيل مغربي الأصل، و لا عجب أن نرى محاكم عبرية بالمغرب تفصل في قضايا الأحوال الشخصية و الارث بين اليهود المغاربة..
اعتقد أن تاريخ اليهود المغاربة بالمملكة، أكبر من أي تقارب سياسي أو تجاري أو اقتصادي أو عسكري بين الرباط و تل أبيب، الطائفة اليهودية في المغرب جزء لا يتجزأ من المجتمع المغربي، ولعل الإطلاع على كتاب الراحل حاييم الزعفراني عضو اكاديمية المملكة “100 سنة من حياة اليهود بالمغرب”، يمكن من معرفة حقيقية للتواجد اليهودي على هذه الأرض، وتقاليد و أعراف الطائفة.
وهنا يمكن أن نقول من بعد هذا السرد التمهيدي القصير، أن اسرائيل أخطأت عند إيفاد غوفرين رئيس البعثة الديبلوماسية بالرباط للمغرب، وأخطأت عند تغييب تاريخ اليهود المغاربة، وأرسلت يهوديا غير مغربي الأصل، فلو كان مغربي الأصل لعرف تقاليد وأعراف المغاربة، و لا كان سقط سقطة غوفرين الفاضحة، وسقطاته وفشله في كثير من المحطات بعد استئناف العلاقات المغربية الاسرائيلية، التي استأنفت على المستوى السياسي أما المجتمعي فكانت متواصلة وأعتقد أن القيادة في اسرائيل تعلم أن كل عائلة اسرائيلية عند الزواج تفكر في الحج الى اسرائيل والتبرك من القدس، وأن أغلب العائلات اليهودية في المغرب لديها أقارب و آباء أو إخوة في اسرائيل، لقد أخطأ غوفرين عند حضوره صلاة اليهود بمراكش و حضوره صلاة اليهود بمكناس، وأخطأت اسرائيل عند السماح له بالحضور مع الطائفة اليهودية المغربية في تقاليد مغربية يهودية، فهو لا يمثل اليهود المغاربة لكنه يمثل دولة اسرائيل ويقتصر حضوره على مناسبات رسمية، لا محاولة الانصهار مع الطائفة اليهودية المغربية كما لو أنها طائفة يهودية اسرائيلية تعيش في المغرب، وهذا اكبر خطأ يمكن أن يقع فيه القادة الاسرائيليون…
إن العارف بثقافة اليهود المغاربة ، لا يمكنه السقوط في أخطاء غوفرين ومن معه، فاليهود المغاربة عاشوا لآلاف السنين يفرقون بين الدين و السياسة وتجمعهم بكافة المغاربة التجارة و العمل و المحبة و التعايش، أما على مستوى الدين فالمغرب عمل بقوله عز و جل” لكم دينكم ولي ديني”، وهكذا استمر التعايش لسنين وعاش اليهود المغاربة مغاربة لهم دور عبادتهم “الكنيس” ولهم مدارسهم العبرية “ياهو” و لهم أحيائهم “الملاح” و لهم محلات لحومهم “كاشير”… ولهم محاكمهم العبرية..