أجمعت هيئات سياسية و حقوقية على غياب رؤية جادة للحكومة في تنزيل مفهوم الدولة الاجتماعية، وطرح ضرائب تساهم في محاربة الفوارق الاجتماعية والحفاظ على القدرة الشرائية للمغاربة وتحقيق العدالة الجبائية، حيث شددت المعارضة على أن ” الحكومة لم تقدم أي إشارة بخصوص محاربة الفساد ضمن مشروع قانون المالية، بحيث تم التعامل مع مكافحة الفساد واقتصاد الريع كما لو كانا عابران وليسا مصدرا للمشاكل كلها.
واعتبرت المعارضة، أن الإصلاح الضريبي ما زال متعثرًا، مما يحرم البلاد من موارد إضافية يقدرها البنك الدولي بـ 12 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، أي ما يعادل 160 مليار درهم، و أن هذا المبلغ كاف لتغطية نفقات أربع قطاعات ذات بعد استراتيجي (التربية الوطنية، التعليم العالي، الصحة والحماية الاجتماعية، الدفاع الوطني).
من جهته اعتبر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن العنوان العريض لمشروع قانون المالية هو الفشل الحكومي في مباشرة الإصلاحات الجوهرية التي تتطلبها الدولة الاجتماعية، ليس كشعار للاستهلاك السياسي، وإنما كقناعة فكرية وإيديولوجية.
وأكد فريق الحزب خلال المناقشة العامة لمشروع قانون مالية 2023 ، اليوم الخميس، بجلسة عمومية بمجلس النواب، أن المشروع لا يتضمن أي تدابير حقيقية تخص الإصلاحات الضرورية من قبيل الإصلاح الجبائي، وإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية.
وأشار أن المجال الضريبي في المغرب لم يعرف منذ سنة 1987 أي إصلاح هيكلي شامل، على الرغم من أن الاقتصاد الوطني خضع لتغييرات جذرية أدت إلى بروز قطاعات صناعات جديدة، استفاد البعض منها من الظرفية الحالية، وعلى رأسه سوق المحروقات وصناعة الأدوية، وأضاف أنه مع ذلك لم تتم مباشرة الإصلاحات الأكثر إلحاحا من أجل توسيع الوعاء الضريبي، مما أدى إلى استمرار الضغط الضريبي على الموظفين والأجراء، وارتفاع الضريبية على القيمة المضافة.
وشدد الحزب على أن الحكومة لم تتحلى بالشجاعة لمباشرة إصلاح روزنامة النظام الجبائي، ودعم الطبقة المتوسطة باعتبارها صمام أمان للتوازن الاجتماعي، وآلية لتحريك الدورة الاقتصادية.
وسجل أن الطبقة المتوسطة تخضع للاقتطاع الضريبي من المنبع دون أدنى تحفيزات مقابل خدمات عمومية جد متدنية، ترغمها على اللجوء إلى المدارس والمصحات الخاصة.
وأبرز أن الحكومة لم تجرأ على معالجة الاستثناءات الضريبية أو إجراء أي تقييم للأثر الاقتصادي والاجتماعي للإعفاءات المعمول بها لسنوات طويلة، والتي تحرم خزينة الدولة سنويا من موارد تقدر ب 2.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
وشدد على أن الحكومة تغاضت عن رفع الضرائب على شركات المحروقات، رغم التنصيص الواضح عليها في توصيات مجلس المنافسة، بل الأكثر من ذلك فقد تغاضت عن الأخذ بتوصيات العديد من تقارير المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها مجلس الحسابات، وتقارير بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط.
وأكد أن الحكومة تواصل نهج سياسية التغول العددي ولم يتسع صدرها لآراء الكثير من الفرقاء السياسيين، والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية، وهو ما ينذر بإمكانية خلق حالة احتقان بإقرار تدابير جبائية من جانب واحد.
وقال الحزب إنه سيصوت ضد مشروع قانون المالية، لأنه مشروع تفقيري وارتكز على ضرب جيوب المواطنين والمواطنات علما أنهم يعانون من ظرفية صعبة.
و أشارت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن المشروع الاستراتيجي للمغرب بعد أزمة كوفيد هي الحماية الاجتماعية، والتي أفردت لها ميزانية تبلغ 51 مليار درهم، نصفها ممول من الدولة، والنصف الآخر من تمويلات المشتركين، متسائلة هل سيتوج هذا المشروع الطموح بالنجاح، وأضافت: “ندير وضعا ضاغطا يتطلب الكثير من الحوار والتفاوض والاستماع، وفاعلين مؤسساتيين قادرين على إيجاد كل هذا”.
واعتبرت بوعياش أن ورش الحماية الاجتماعية هو مجرد دعامة أو عنصر واحد من الدولة الاجتماعية لأن هذه الأخيرة أعم وأشمل، لكن الحكومة تقدمه على أساس أنه هو الدولة الاجتماعية.
وأكدت أن مفهوم الدولة الاجتماعية لازالت فيه بعض الالتباسات خاصة بالنسبة للفاعلين الحقوقيين، لأنه يتضمن العديد من النماذج التي لا تفرز بالضرورة نتائج إيجابية.
وسجلت على أن الدولة الاجتماعية تقوم على عدة تصورات ومنها، التصور السوسيو ديمقراطي، والذي يتم على أساسه تمويل هذا المشروع بواسطة الضرائب، ثم النموذج القائم على التكتلات المهنية.
وشددت بوعياش على ضرورة تحقيق الإصلاح الضريبي حتى يكون أكثر إنصافا وتضامنيا، وحتى يكون مدخلا أساسيا لتحقيق فعلية الحقوق في بلادنا.
ولفتت إلى أن الفكر المعاصر المرتبط بحقوق الإنسان فيه وعي أكثر بأن الضريبة هي مسألة حقوقية بامتياز لأنها مرتبطة بمجالات اقتصادية، اجتماعية وبيئية.
وأبرزت أن النظام الضريبي يجب أن يوظف لتعبئة الموارد المالية اللازمة لتقليص التفاوتات المجالية والاجتماعية، وليس لإغناء الغني وتفقير الفقير.
وأكدت على ضرورة ضمان الحد الأدنى من المساواة في الولوج إلى الحقوق الأساسية الإنسانية، داعية في نفس الوقت أن يكون النظام الضريبي رافعة لفعلية الحقوق.
وأوضحت أن الظروف الصعبة التي يمر منها المغرب والعالم بشكل عام، تشير أن عمر هذه الأزمة سيطول، وهذا يتطلب تقييم النظام الجبائي، وجعل الضريبة رافعة أساسية لتحقيق فعلية الحقوق.
وشددت على أن قطاعات مثل الصحة يجب أن تكون سيادية، لأنه كيف ما كان الحال القطاع الخاص يبحث عن الربح، وهذا الأخير لا يمكن إلغاؤه لكن لا بد من تعاقد بين القطاع الخاص والقطاع العام حتى يتمكن المواطنون من أن يجدوا الرعاية الصحية اللازمة بكل مناطق المغرب.
و اعتبرت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن مشروع قانون المالية يمثل استمرارا للهجوم على القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات، وشرعنة لسوق الفوضى والمضاربات في الأثمان، وأكدت الجمعية في بيان لمكتبها المركزي، أن المشروع يحمل امتيازات وتخفيضات ضريبية هائلة على الأرباح الخيالية للشركات الكبرى، مقابل الرفع من الضرائب على الفئات المتوسطة والمقاولات الصغرى والذاتية.