نبه برلمانيون الى عجز تشريعي في رفع مقترحات لتجويد مشروع قانون مالية 2024، متأسفين عن اللحظة االديمقراطية التي تسبق المصادقة على مشروع يعتبر من أبرز القثوانين التي ترسم السياسات العمومية و تحدد مصير عدد من القطاعات، معتبرين ان التماطل البرلماني نتيجة تغول الأغلبية و غياب فعل تشريعي يقوم بمهامه السياسية ووظيفته في التشريع الجاد، حيث شددت الديمقراطية للشغل، على أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 « يتضمن إجراءات من شأنها تعميق الهشاشة والفوارق الاجتماعية والمجالية »، مطالبا الحكومة بـ « الوفاء بالتزاماتها وتعاقداتها الاجتماعية الواردة في اتفاق 30 أبريل 2022، وميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي، والزيادة العامة في الأجور والمعاشات ».
و دعت المركزية النقابية، في بلاغ لها، إلى « مراجعة أشطر الضريبة على الدخل وإحداث درجة جديدة للترقي واحترام الحريات النقابية والحريات العامة، وحل النزاعات الاجتماعية ».
وسجلت النقابة « استمرار موجة الغلاء وضرب القدرة الشرائية، وارتفاع معدلات البطالة، وإصرار الحكومة على نفس الاختيارات اللااجتماعية التي يعكسها مشروع قانون المالية 2024 الذي يتضمن إجراءات من شأنها تعميق الهشاشة والفوارق الاجتماعية والمجالية، إضافة إلى انحباس الحوار الاجتماعي، ومحاولة إفراغه من مضمونه التفاوضي واستمرار تنصل الحكومة من التزاماتها وتعاقداتها المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022، وميثاق مأسسة الحوار الاجتماعي ».
من جهته شدد قال نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي، أن مشروع قانون المالية لسنة 2024، لا يوفر لمشروع الدولة الاجتماعية إمكانات تنزيله وأوضح أقصبي، وفي لقاء ضمن “برنامج المغرب في أسبوع”، والذي خصص لموضوع ” مشروع ميزانية 2024.. الدولة الاجتماعية ومقوماتها المالية”، أن التجارب الدولية الناجحة في مجال الدولة الاجتماعية، هي تلك التي أرفقت المشروع بنظام تمويل ذاتي جديد، صلبه إصلاح جبائي حقيقي.
وأبرز الخبير الاقتصادي، في ذات السياق، أن فكرة الدولة الاجتماعية أساسها هو التضامن أساسا، ما يفرض نظاما تمويليا يعتمد أيضا على التضامن، بالإضافة إلى ضريبة على رأس المال، وضريبة على الثروات الكبرى، معتبرا أن هذا ما يستخلص من تجارب جرى تنفيذها عبر العالم.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن في غياب هذه الإصلاحات الضريبية يجعل الأمر يبدو وكأن المسؤولين يريدون أن يظهروا وكأن لديهم رغبة في الإصلاح دون الاستعداد لتأدية ثمنه.
وخلص أقصبي إلى أن الإجراءات الضريبية المطروحة في مشروع قانون المالية، تسير في الاتجاه المعاكس لنظام ضريبي تضامني تصاعدي، مشيرا أن الإجراءات المزمع اتخاذها تضرب مبدأ التضامن الذي تُبنى عليه الدولة الاجتماعية.
وفي ذات السياق أكد أقصبي أن مواصلة إرساء أسس الدولة الاجتماعية، والتي تشمل الحماية الاجتماعية، والدعم المباشر وإعادة بناء هيكلة الصحة، والتعليم والشغل، هو النقطة الثانية ضمن توجهات مشروع قانون المالية لسنة 2024، بعد أن جاء زلزال الحوز ليفرض نقطة تنزيل برنامج إعادة بناء ما دمره على رأس هذه التوجهات، وما يرتبط بذلك من إعانات ودعم مباشر للسكن، وما تتطلبه من أموال واعتمادات.
واعتبر أقصبي أن النقطة الرئيسية التي ينبغي نقاشها في مشروع قانون المالية هو مشروع الدولة الاجتماعية، مشيرا أن المشروع في حد ذاته طموح، ومطلب مطروح منذ عقود، ما يجعل المرء لا يمكن إلا أن يكون متفقا عليه مبدئيا ويصفق لتنزيله، مشيرا إلى أنه انطلاقا من الرغبة في نجاحه، ينبغي نقاش شروط تحقيق ذلك.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن التوجه الثالث في مشروع قانون المالية هو مواصلة ما يسمى بالإصلاحات الهيكلية، وتتضمن المشاريع الكبرى والمشاريع القطاعية والهيدروجين والطاقات المتجددة، وكذا إصلاح الإدارة والعدالة، مشيرا إلى أن هذه المشاريع فيها ما قديم يتم طرحه كل سنة وفيها ما هو جديد.
وذكر الخبير الاقتصادي أن التوجه الرابع يتمثل مرتبط بالتوازنات الماكرو اقتصادية، وفي هذا الشق يبرز تحكم المؤسسات المالية الدولية، وفقا لتعبير الخبير الاقتصادي.
وبخصوص الإمكانيات المالية التي يطرحها مشروع قانون المالية لتحقيق الأهداف المسطرة، وفي هذا الصدد أشار الخبير الاقتصادي أن مشروع قانون المالية طرح وجود مداخيل جبائية وغير جبائية بمقدار 311 مليار درهم، مقابل النفقات العادية، التي تشمل التسيير وفوائد الدين والتي قدرت ب 318 مليار درهم، ما يعني أن هناك عجزا اوليا يبلغ 6 مليار درهم، مستدركا أنه في هذه المعادلة لم ندخل بعد الاستثمار من ميزانية الدولة، وأكثر من ذلك لا يشمل الدين.
وأضاف الخبير الاقتصادي أنه بعد إدراج مبلغ الاستثمار من الميزانية الدولة، كما حدده مشروع قانون المالية، والمقدر ب 118 مليار درهم، يصبح العجز في ميزانية الدولة 124 مليار درهم، وإذا انضاف إلى ذلك رأسمال الدين العمومي البالغ 62 مليار درهم، مشيرا أن خدمة الدين في السنة المقبلة لوحدها ستبلغ 101 مليار درهم.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى العجز الحقيقي المتوقع في الميزانية، أي ما سمي في مشروع قانون المالية بحاجيات التمويل، سيبلغ 187 مليار درهم، وهو ما يمثل وفقا للباحث ما بين 13 و14 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وبناء على ذلك أوضح أقصبي أنه لتلبية هذه “الحاجيات في التمويل” تأتي الديون الجديدة، موضحا أنه لمواجهة هذه الحاجيات ستضطر ميزانية السنة المقبلة إلى اقتراض ما قدره 123 مليار درهم، وهو الكفيل بإنزال من 187 مليار درهم كحاجيات التمويل إلى العجز المعترف به رسميا، أي العجز الصافي، والذي يسميه مشروع قانون المالية الحاجيات المتبقية إلى مبلغ قدره 64 مليار درهم، ما يعادل حوالي 4 أو 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
واعتبر أقصبي أنه من أجل التقييم الموضوعي لإمكانيات التمويل التي ستكون متاحة السنة أو السنوات المقبلة، ينبغي أن نضع أمام أعيننا رقم 187 مليار درهم، إذ لاحظ الخبير الاقتصادي أن بنية الميزانية على ضوء مشروع قانون المالية تجعل أن المديونية يتم اعتبارها عاملا فاعلا أساسيا للاتوازن.
وتأسف أقصبي لكون المغرب لا يقترض من أجل التطور والتقدم بل من أجل أداء ديون سابقة.
وانطلق الخبير الاقتصادي في نقاشه لمشروع قانون المالية لسنة 2024، من محاولة فهم السياق العام الذي يأتي فيه، إذ استحضر الوضع الدولي، مبرزا أن الاقتصاد العالمي يعاني ولا زال يعاني من أزمات متعددة، مذكرا أن كل التقارير الدولية تؤكد أن الأزمة لازالت قائمة، وتزداد أزمات فوق أخرى، وأن وتيرة النمو على الصعيد العالمي ككل أقل من 3 في المائة، بل أنه حتى البلدان الناشئة التي كانت لديها مستويات نمو مرتفعة، هي الآن تعاني من شبه انكماش للحركة الاقتصادية بصفة عامة.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن التضخم لازال قائم، على الرغم من وجود انخفاض نوعا ما مقارنة مع 2022، التي شهدت ارتفاعا كبيرا، بالإضافة إلى مشكل البطالة، ومشاكل في التجارة الدولية التي تعاني أيضا ولا تتطور بنفس الوتيرة التي كانت تتطور بها من قبل، وكذا مشكل المديونية، إذ أبرز تقرير البنك الدولي الصادر قبل شهرين أن نصف الدول النامية تعاني من المديونية المفرطة، وهو ما ينذر بمشاكل في المستقبل.
وعلاقة بالاقتصاد المغربي، ذكر الخبير الاقتصادي أن وتيرة نموه لازالت مرتبطة بالتقلبات المناخية، والمحصول الزراعي، مشيرا أن المحصول الزراعي لسنة 2023، كان أقل من المتوسط، لتنضاف إلى ذلك مشاكل أخرها أبرزها التضخم الذي لازال مرتفعا رغم كل ما يقال، “إذ تشير الأرقام الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط، إلى أن هناك تراجعا طفيفا، لككنا لازلنا في مستوى 5 في المائة، في حين بنك المغرب منذ سنتين وهو يخبرنا أننا سنعود إلى مستوى 2 في المائة، في حين لازلنا فوق 5 في المائة، ومع الأسف مت يقع في الشرق الأوسط، من المحتمل أن يكون له وقع على الأسعار الدولية وهو ما سيكون له أيضا على مستوى التضخم.”
وأوضح الخبير الاقتصادي أن مشروع قانون المالية لسنة 2024 في المغرب مبني على فرضيات أولها الموارد الجبائية وغير الجبائية، ومن جهة أخرى النفقات، من هنا يحضر الحديث عن العجز المالي، والحاجة إلى التمويل، والحاجة إلى المديونية، مشبها ذلك بهرم يرتكز على فرضيات، التي إن تحققت ستكون التوقعات في محلها، وإن لم تتحقق سينهار كل شيء.
وأكد أقصبي أن مشروع قانون المالية مبني على 4 فرضيات و3 أهداف، الفرضية الأولى هي المحصول الزراعي، الجميع يعرف أنه إذ نزل المحصول الزراعي إلى 50 أو 40 أو 30 مليون قنطار، ستكون السنة كارثية، في حين إذ ارتفع إلى 100 مليون قنطار أو أكثر ستكون السنة جيدة، مشيرا إلى أن واضعي المشروع يعتمدون في هذا التوقع معدل الخمسة أو عشرة سنوات الأخيرة، ويعتبرون أنه إذ وصل المحصول الزراعي إلى حدود 75 مليون قنطار، ستكون الفرضية مهمة وسيمكنها تحقيق هدف النمو المبتغى.
وعلاقة بالموضوع، قال نجيب أقصبي أن المحصول الزراعي متعلق بالسماء، مشيرا إلى أننا نتمنى أن تسقط الأمطار، غير أن الجميع يعرف أن هناك مد بنيوي مع تقلبات المناخ وحدة وتعدد فترات الجفاف يجعل الأمر مجرد أمنية، وتطرح علامة استفهام كبيرة على مدى إمكانية تحققها، خصوصا وأن السنتين الماضيتين بلغ حجم المحصول على التوالي 35 و55 مليون قنطار، مع التحفظ على مدى واقعية الرقم الأخير، بناء على ما سجله المتخصصون في القطاع الفلاحي.
وأشار الخبير الاقتصادي أن الفرضية الثانية التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية، مرتبطة بالنفط وغاز البوتان، وهوما منتوجان نستوردهما، ولهما تأثير على الميزان التجاري، وميزان الأداءات والأسعار، والفرضية في هذا الإطار هو أن سعر البرميل سيبقى في حدود 80 دولار للبرميل، وطن واحد من غاز البوتان سيبقى في حدود 500 دولار.
وعلاقة بالنفط وغاز البوتان، لاحظ أقصبي أن مشروع قانون المالية يتحدث على أن معدل الطن من غاز البوتان بلغ هذه السنة 600 دولار، وبرميل النفط حوالي 88 دولار، متسائلا على مدى واقعية ما هو مطروح كفرضية بني عليها المشروع، والمتمثلة في 80 دولار لبرميل النفط و500 دولار للطن من غاز البوتان، إذ اعتبر الخبير الاقتصادي أنه إذا زاد التوتر الجيوسياسي، لا يمكن ألا يرتفع سعر النفط والغاز.
وأضاف أقصبي أن الفرضية الثالثة مرتبطة بالطلب الخارجي، وهي أن الطلب الخارجي سيرتفع ب 2,9 في المائة، والفرضية الرابعة مرتبط بسعر الصرف بين الدولار والأورو ، نظرا لأهميته في المعاملات الخارجية.
وأوضح الخبير الاقتصادي أنه على أساس هذه الفرضيات الأربع، هناك ثلاثة أهداف، أولها هو معدل النمو، إذ يهدف مشروع قانون المالية إلى تحقيق معدل نمو خلال السنة المقبلة يبلغ 3,7 في المائة، ثانيا علاقة بالتضخم، يهدف المشروع إلى أن ينخفض التضخم إلى 2,5 في المائة، وثالثا عجز الميزانية، إذ يهدف المشروع إلى أن ينزل عجز الميزانية إلى 4 في المائة.
وعلاقة بمعدل النمو، ذكر الخبير الاقتصادي أنه في كل مشروع قانون مالية كانت هناك وعود بمعدل نمو، غير أن الواقع يكشف في كل مرة أنها تختلف عما يتم تحقيقه في الواقع بنقطة أو نقطتين أو ثلاثة نقط.
وأشار أقصبي أنه حتى مع تحقيق معدل نمو يبلغ معدله 3,7 في المائة، فهو أقل بكثير من الهدف الذي أعطته الحكومة الحالية لنفسها، إذ كانت قد وعدت بتحقيق معدل نمو يبلغ 4 في المائة على مدى 5 سنوات، في حين أنه بعد ثلاثة سنوات، من الخمسة سنوات الموعودة، يبلغ معدلها أقل من 2 في المائة، ليس حتى نصف الهدف الذي جاء في وعود الحكومة، والذي لا يمكن أن يقال عنه هدف طموح، مذكرا أن تقرير النموذج التنموي كان قد طرح معدل نمو بمعدل 6 في المائة.
وارتباط بمعدل التضخم، اعتبر الخبير الاقتصادي أن معدل 2,5 في المائة غير واقعي، اعتبارا لواقع التوتر على المستوى الدولي من جهة، بالإضافة إلى عاملين تم إيرادها في مشروع قانون المالية، ألا وهما ارتفاع الضريبة على القيمة المضافة، الأمر الذي سيكون له بالضرورة وقع على ارتفاع الأسعار، وكذا التوقعات المطروحة علاقة بصندوق المقاصة، إذ أنه إذا سيكون هناك ارتفاع ولو تدريجي في سعر قنينة الغاز والسكر والخبز، وهي مواد حيوية وأساسية، وهو ما سيكون له وقع مؤكد على التضخم.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن المسؤولين وهم يمارسون تمرين التوقعات المرتبطة بقانون المالية، لا يضعون أمام أعينهم مدى واقعية الأشياء وحقيقتها، وكأنه الهدف ليس هو تحقيق ما يطرحونه، بل فقط القول أن “العام غيكون زين”، مذكرا أنه في كل سنة ينبه الخبير الاقتصاديون إلى أن الفرضيات ليست واقعية، وهو ما يثبته الواقع بعد ذلك، غير أن ذلك يتكرر في كل مرة.