أعلنت الحكومة المغربية، خلال اجتماعها الأسبوعي ، عن مصادقتها على مشروع المرسوم رقم 2.25.450 المتعلق بتحديد المبلغ الأقصى للسلفات الصغيرة وأسقف الأموال المتلقاة من قبل مؤسسات التمويلات الصغيرة.
هذا القرار، الذي أعلن عنه مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان والناطق الرسمي باسم الحكومة، يُعدّ منعطفاً مهماً في سياسة الدولة لدعم الفئات غير القادرة على الولوج إلى التمويل البنكي الكلاسيكي، وعلى رأسها المقاولات الصغيرة جداً والأفراد ذوو الدخل المحدود.
وأكد بايتاس أن الحكومة تسعى، من خلال هذا المرسوم، إلى تمكين شرائح واسعة من المواطنين والمقاولين الصغار من الحصول على تمويلات مناسبة دون الحاجة إلى ضمانات ثقيلة، مشيراً إلى أن النظام التقليدي للإقراض غالباً ما يشكل حاجزاً أمام فئات اجتماعية ومهنية عديدة.
ويأتي هذا القرار في ظل توسع لافت لسوق السلفات الصغيرة في المغرب، والذي بات يشكل ركيزة اقتصادية حقيقية، سواء في تمويل الأنشطة المدرة للدخل أو في دعم المبادرات الفردية، لا سيما في المناطق النائية وشبه الحضرية.
وبلغة الأرقام، أفاد بايتاس أن قطاع التمويلات الصغرى في المغرب سجل مع نهاية سنة 2024 قروضاً بقيمة 9.3 مليارات درهم، موزعة بين الأفراد (أزيد من 6 مليارات درهم) والمقاولات الصغيرة جداً (حوالي ملياري درهم)، وهو ما يعكس حجم الطلب المرتفع على هذا النوع من التمويلات.
وقد بلغ عدد المستفيدين من هذه القروض ما مجموعه 778.404 مستفيداً، 47% منهم نساء، مما يعزز مكانة التمويلات الصغيرة كآلية لتعزيز التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية.
ويُشغل هذا القطاع قرابة 7568 شخصاً، ما يعكس أيضاً حجمه كمصدر لفرص الشغل المباشرة وغير المباشرة.
رغم وجود 11 مؤسسة تمويل صغرى معتمدة على المستوى الوطني، فإن 4 فقط منها تستحوذ على ما نسبته 98% من إجمالي القروض الممنوحة، ما يعكس تمركزاً واضحاً في السوق، ويطرح تساؤلات حول مدى التنافسية بين هذه المؤسسات، وجودة الخدمات المقدمة، وكذا الحاجة إلى تحفيز ظهور فاعلين جدد يساهمون في توسيع العرض وتنويعه.
يُعدّ قطاع السلفات الصغيرة في المغرب من القطاعات التي حققت تطوراً ملحوظاً خلال العقدين الأخيرين، مستفيداً من المبادرات الوطنية لدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وبرامج تمكين الشباب والنساء من خلق أنشطة مدرة للدخل.
غير أن هذا القطاع لا يزال يواجه جملة من التحديات، من بينها محدودية مبالغ التمويل التي لا تتناسب أحياناً مع الحاجيات الحقيقية للمستفيدين و ارتفاع نسب الفوائد مقارنة بالقروض البنكية، وهو ما يثير انتقادات مجتمعية متكررة و غياب الولوج العادل للمعلومة حول شروط القروض وحقوق المستفيدين، خصوصاً في المناطق القروية و ضعف المواكبة والتأطير بعد منح القروض، مما يؤدي أحياناً إلى فشل المشاريع أو تعثر السداد.
و تأتي هذه الإصلاحات الحكومية في وقت يتطلب فيه الاقتصاد الوطني حلولاً أكثر مرونة واستجابة للواقع المعاش، لاسيما مع تفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها التحولات الدولية وتداعيات الأزمات المناخية والاقتصادية.
ويبدو أن الحكومة تراهن على تعزيز أدوات التمويل البديل، وعلى رأسها السلفات الصغيرة، لدفع عجلة التنمية المحلية، وخلق فرص الشغل الذاتي، وتحقيق نوع من العدالة الاقتصادية المجالية.
وبينما ينتظر المهنيون والمستفيدون تنزيل مضامين هذا المرسوم الجديد على أرض الواقع، يبقى الرهان الأهم هو الانتقال من منطق الإقراض إلى منطق التمكين الاقتصادي الحقيقي، عبر ربط التمويل بالمواكبة والتكوين والإدماج في سلاسل القيمة المحلية والوطنية.