قرار ينسينا في الآخر. هذا ما يمكن أن يقال عن تصرفات حكومة “تجمع المصالح الكبرى”، الذي يسير بسرعة خاطفة نحو الهاوية، إن لم تتداركنا يد عليا تفرمل هذا الانحياز المغشوش لذوي المال والأعمال، بينما الدولة لا يمكن أن تسير بطرف واحد، ولا يمكن أن تسير بشكل سلس دون أن تكون دولة اجتماعية، تعيد ترتيب الأموال المستخلصة من الضرائب وتعيد توزيعها على شكل مشاريع ومنجزات، لكن حكومة عزيز أخنوش فضلت “غير ذات الشوكة” واتجهت نحو الحل الناعم هو مزيد من الضرائب في حق الفئات البسيطة. قد يكون حلا ناعما لكنها نعومة حارقة.
اليوم يفاجئنا شكيب بنموسى، وزير التربية والتعليم الأولي والرياضة، بقرار يتعلق بمباريات توظيف الأساتذة أطر الأكاديميات، الذي ربحت به الحكومة هذا التصنيف، حيث لم يتحدث أحد عن “أطر الأكاديميات” ولكن عن حصر السن الأقصى للتقدم لهذه المباراة في 30 سنة بالإضافة إلى شروط “الخزيرات”، المتعلقة بالتفوق الدراسي في الباكالوريا والجامعة وعدم الارتباط بأية عقدة تشغيل مهما كانت.
قرار يخالف مرسوم الوظيفة العمومية، الذي يحصر التوظيف في 45 سنة، والغرض منه هو عدم تحمل تبعات التقاعد، الذي سيكون سريعا، فهم في حاجة إلى مواطن يشتغل أكثر ويؤدي أكثر ويأخذ القليل، إذن من الواضح أن الأمر لا يتعلق بالجودة ولكن بحسابات مالية فقط، وهي البحث عن الحلول السهلة، بينما الحكومة، التي قيل إنها حكومة أطر، كان ينبغي أن تبحث عن حلول جذرية بدل الترقيع الذي لن يخلق سوى الفوضى.
يمكن حصر الحد الأقصى في حالتين، الأولى وهي معمول بها في بعض الوظائف التي لها طابع خاص، أو في حالة أن تصبح الدولة والقطاع الخاص قادرين على استيعاب الخريجين سنويا، وحينها لن تجد إلا فئة قليلة جدا هي التي تأخرت في الحصول على شغل، بينما في وضع تتراكم فيه أعداد الخريجين، وعدم القدرة على إدماجهم في سوق الشغل، مما يجعل الكثير منهم لا يحصل على شغل قار إلا بعد أن تفوق سنه الثلاثين.
يمكن أن تفرض الحكومة بقرارات معينة ومعللة تحديد السن في وظائف معينة، لكن بماذا يمتاز التعليم عن الصحة مثلا؟ وهنا كل القطاعات ستسير نحو اختيار مثل هذا، وإذا ترسخ في التعليم فسيتم تعميمه على باقي القطاعات، التي لن تقبل أن تكون أقل من التعليم في شروط التوظيف.
الحكومة بما هي حكومة أطر وليست حكومة إداريين، أي إنها ترسم السياسات العمومية وليس تدبير اليومي، عليها أن تبحث عن حلول لتخفيض بطالة الخريجين، وحينها لن تجد من يفوق 30 سنة ليتقدم إلى أية مباراة سوى أن تكون مباراة ترقية، لكن بما أن الأمر كارثي، فإن هذا الحل هو عين الكارثة.
ولا يمكن في النهاية وصف هذا القرار إلا بأنه ينتمي إلى قرارات الحكومة الطائشة. حكومة تراجعت عن كل وعودها الانتخابية بل تراجعت عن وعود البرنامج الحكومي، حيث وعد أخنوش بزيادة رواتب الأساتذة مع إدماجهم ووعد حزب الاستقلال بترسيم “المتعاقدين”، ولا ندري إن كانت بهذه الطريقة تقدم وعودها، وإذا استمرت فستشعل النار في كل شيء لا قدر الله.