مؤسستان عموميتان تصدران موقفا مهما نزل في وقت واحد ويصبان في اتجاه واحد، الأولى هي بنك المغرب من خلال الوالي عبد اللطيف الجواهري، والثاني للمندوبية السامية للتخطيط، تصب كلها في تأكيد ما جاء به تقرير الأمم المتحدة الإنمائي، الذي جعل المغرب في المرتبة 120 دوليا، أي في خانة “تنمية متوسطة” لا تنسجم طبعا مع الديناميكية التي يعرفها المغرب فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى، التي يقودها جلالة الملك، مما يطرح السؤال على التدبير الحكومي في مجال التنمية، فهي الأداة التنفيذية، التي بواسطتها يتم إدماج المواطنين في التنمية المجتمعية.
وكانت مجموعة من الأقلام انبرت للدفاع عن موقف الحكومة، طاعنة في التقرير الدولي، ونحن كنا أول من نبه إلى ضرورة التعامل بحذر مع التقارير الدولية، لكن توجيه الانتباه عن المركز المتدني الذي نحتله في التنمية البشرية، ونعلق كل الكوارث التي يعيشها المغرب على المعايير المعتمدة، فهذا فيه بؤس شديد.
لندع التقرير الدولي ونفترض جدلا أنه “مخدوم”، لكن هل الواقع أحسن مما طرحت المنظمة الدولية؟ كيف يمكن معاكستها؟
قالت المندوبية السامية للتخطيط، إن أكثر من نصف المستأجرين، والذين تبلغ نسبتهم 51,9 في المائة لا يتوفرون على عقدة عمل تنظم علاقاتهم مع مشغلهم، بينما أكثر من الربع، والذين تبلغ نسبتهم 26,7 في المائة يتوفرون على عقدة ذات مدة غير محدودة، و 14,9 في المائة على عقدة ذات مدة محدودة، إضافة إلى 6,5 في المائة على عقد شفوي.
قال عبد اللطيف الجواهري، في الندوة التي أعقبت اجتماع المجلس الإداري لبنك المغرب، إن بقاءنا في الرتبة 120، طبيعي لأنه لا يمكن أن نتقدم خطوة إلى الأمام في غياب الاستثمار.
المعايير المعتمدة كانت واضحة، متوسط الدخل الفرد، والتعليم، ومتوسط العمر المتوقع، ونصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي، ومعدل المشاركة في القوة العامة، فنحن أمام معايير واضحة لا لبس فيها، تتعلق بالأجر والتعليم والصحة والتوزيع العادل للثروة والولوج إلى الشغل. حكومة فشلت في كل شيء من هذه المجالات.
ملايير الدراهم تم صرفها على التنمية البشرية كي نجد أنفسنا في النهاية في رتبة لا تناسب وجودنا في معركة الأمم. ليس المغرب اليوم بالرقم السهل في قضايا الشعوب، وهو يحسب له ألف حساب في كثير من المحافل الدولية، لكن لأن سوء التدبير الحكومي هو المسيطر وجدنا أنفسنا غير قادرين على فهم هذه المعادلة الصعبة، بين مشاريع كبرى وسمعة دولية.
والي بنك المغرب ليس رجل سياسة، والمندوب السامي للتخطيط ليس رجل السياسة، وبالتالي فالتقارير التي تصدر عنهما لا تهدف المناكفة بالأكتاف مع خصوم سياسيين، بل هي تريد توجيه الحكومة إلى المسار الصحيح إن كان في الحكومة من ما زال يبحث عن استقرار البلاد. وبالتالي لا يمكن الحديث عن التنمية في غياب استراتيجية للتشغيل ولا يمكن التعويل على قطاعات بعينيها كي تمتص البطالة.