يبقى المغربي استثناء في محيطه الجيوسياسي والثقافي، حيث يعطي لكل عنصر من عناصر هويته طابعا دستوريا وقانونيا، فبعد أن تم إقرار اللغة الأمازيغية كلغة مغربية، يصنع جلالة الملك محمد السادس اليوم حدثا استثنائيا بإلتفاتة رمزية قوية، حيث أعطى جلالته أوامره بتفعيل رأس السنة الأمازيغية، الذي يصادف يوم 13 يناير من كل سنة، كعطلة رسمية للمغرب مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
ويأتي هذا القرار الملكي تجسيدا للعناية الكريمة، التي ما فتئ يوليها جلالته، حفظه الله، للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. كما يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.
وكان تصدير دستور المملكة المغربية ذكر أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحك وتنوع مقومات هويتها الوطنية ، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
ونص الفصل الخامس من الدستور على أن تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها ، وتنمية استعمالها. وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. ويحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.
الروافد لأي نهر لا غنى عنها وهي ضرورية، والأمازيغية رافد ضروري، وعندما نتحدث عن رافد لا نتحدث عن جزء من الهوية، ولكن الهوية هي كل هذا المجموع وهذا التعدد، الذي شكل استثناء في المغرب، إذ التعدد شكل “هويات قاتلة” بتعبير الأديب اللبناني أمين معلوف، بينما في المغرب جسد “هويات بنّاءة”.
والعمل في هذا السياق انطلق منذ بداية العهد الجديد، فقد أكد أن جلالة الملك يحمل تصورا جديدا للهوية المغربية أفصح عنه في خطاب أجدير التاريخي يوم 17 أكتوبر 2001، حيث أكد جلالته على أن الأمازيغية تشكل مكونا أساسيا من مكونات الثقافة المغربية، وأن النهوض بالأمازيغية يعد مسؤولية وطنية.
ووضع جلالته في الحين حدا فاصلا بين الهوية القاتلة والهوية البناءة، وقال جلالته في الخطاب المذكور “إننا نريد، التعبير عن إقرارنا جميعاً بكل مقومات تاريخنا الجماعي، وهويتنا الثقافية الوطنية، التي تشكلت من روافد متعددة، صهرت تاريخنا ونسجت هويتنا، في ارتباط وثيق بوحدة أمتنا، الملتحمة بثوابتها المقدسة، المتمثلة في دينها الإسلامي الحنيف السمح، وفي الذود عن حوزة الوطن ووحدته، وفي الولاء للعرش، والالتفاف حول الجالس عليه، والتعلق بالملكية الدستورية الديمقراطية الاجتماعية.
كما أننا نريد التأكيد على أن الأمازيغية، التي تمتد جذورها في أعماق تاريخ الشعب المغربي، هي ملك لكل المغاربة بدون استثناء، وعلى أنه لا يمكن اتخاذ الأمازيغية مطية لخدمة أغراض سياسية، كيفما كانت طبيعتها”.
فإذا كان قرار تفعيل روافد الهوية المغربية وعلى رأسها الأمازيغية استثناء مغربيا فإن هذا الأمر يهم جميع المغاربة من غير استثناء حتى يتم قطع الطريق أمام المتاجرين بالقضايا “الهوياتية”.
وكانت البداية بإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي تم بواسطة مرسوم ملكي في أكتوبر 2001، وتتجلى مهمته في إبداء الرأي لصاحب الجلالة حول التدابير التي من شأنها الحفاظ على الثقافة الأمازيغية والنهوض بها في جميع تعابيرها.
ويشارك المعهد، بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية، في تنفيذ السياسات التي يعتمدها جلالة الملك، من أجل إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية، وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي.
وبإقرار عطلة رأس السنة الأمازيغية يكون جلالة الملك قد وضع لبنة أخرى في تأكيد معالم الهوية المغربية باستثنائها البناء.