دخلت النقابة الوطنية للتعليم العالي على خط قضية “سمسرة الشهادات” التي تفجرت مؤخرا بجامعة ابن زهر بأكادير، والتي تم على خلفيتها اعتقال أستاذ جامعي وستة آخرين، محذّرة من ما وصفته بـ”الحملة الإعلامية الممنهجة والمغرضة” التي تستهدف صورة الجامعة العمومية والأستاذ الجامعي، معتبرة أن ما يقع “محاولة لتبخيس عقود من العطاء الأكاديمي”، ومقدمة شهادات عن “صمت رسمي مريب” رغم تنبيهاتها المتكررة منذ سنوات.
وأكد فرع النقابة بجهة أكادير في بيان ناري، أن لجان التفتيش التابعة لوزارة التعليم العالي رصدت خروقات جسيمة في منظومات التكوين والإشراف الأكاديمي بالجامعة منذ 2018، لكن الوزارة الوصية “تجاهلت التقارير وتكتمت على خلاصاتها”، وهو ما اعتبرته النقابة أحد الأسباب المباشرة في تفاقم مظاهر الفساد داخل بعض التكوينات، وخاصة سلك الماستر.
النقابة جددت موقفها المبدئي الرافض لكل أشكال الفساد الإداري والبيداغوجي، لكنها في الآن ذاته حذرت من تعميم الأحكام و”وصم الجسم الجامعي كله استنادا إلى سلوكات معزولة”، مشددة على أن الجامعة المغربية “لا تختلف عن باقي مؤسسات الدولة التي تعرف تحديات واختلالات”، وأن “تشويه صورتها بشكل جماعي ليس إلا مدخلا لتبرير خصخصة التعليم العالي وضربه في العمق”.
وتساءلت النقابة عن مغزى الحملة الإعلامية التي “تُمعن في تصوير الأستاذ الجامعي كرمز للانحراف والابتزاز”، في وقت صمتت فيه الحكومة طويلا عن تقارير التفتيش والبيانات النقابية الصادرة منذ 2015، كما استنكرت الزج بالجامعة في الصراعات الحزبية الضيقة وتحويلها إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية.
أين الوزارة من تقارير الفساد؟
كشف البيان أن تقارير تفتيش متتالية رصدت، منذ سنة 2018، اختلالات في سلك الماستر ومنظومات الانتقاء داخل جامعة ابن زهر، لكن الوزارة التزمت الصمت ولم تفعل آليات المحاسبة القانونية، وهو ما “شجع على استمرار التجاوزات”، بحسب تعبير النقابة، التي ذكّرت بأنها كانت سباقة إلى الاحتجاج والتحذير من “تمركز سلطوي غير مشروع” داخل بعض الشعب والمسالك.
كما حمّلت النقابة الوزارة مسؤولية “تنامي الشعور بعدم الثقة داخل الجسم الجامعي”، مشيرة إلى أن “التجاهل الرسمي المتكرر” لمطالب الإصلاح الحقيقية فتح المجال لحالات شاذة تحولت إلى فضائح مُدوية كان يمكن تداركها مبكرًا.
لا لتشويه الجامعة.. نعم للمحاسبة العادلة
في موقف متوازن، أدانت النقابة أي سلوك يمس بأخلاقيات المهنة الجامعية، ودعت إلى محاسبة المتورطين في إطار القانون، لكنها شددت على ضرورة صون كرامة آلاف الأستاذات والأساتذة الباحثين الذين يشكلون “صمام أمان للبحث العلمي في المغرب”.
ودعت إلى “الكف عن تغذية حملات التشهير الجماعي ضد الأساتذة”، معتبرة أن “استهداف الجامعة يهدد أحد آخر معاقل التعليم العمومي في المغرب، ويفتح الباب أمام مشاريع الخصخصة التي يتم التمهيد لها إعلاميًا”.
الجامعة ليست ساحة حزبية
وفي تلميح إلى خلفيات سياسية وراء توقيت تفجير الملف، حذرت النقابة من “استغلال الظرفية لتأجيج صراعات حزبية داخل الحرم الجامعي”، مطالبة بتحييد الجامعة عن الحسابات الانتخابية، ووقف محاولات “إحكام القبضة عليها من طرف جهات نافذة”.
دعوة للتعبئة والدفاع عن الجامعة
وختمت النقابة بيانها بدعوة الأساتذة الباحثين إلى “رص الصفوف والتصدي لأي محاولة لإضعاف الجامعة العمومية”، والانخراط الواعي في كل المبادرات النقابية المقبلة دفاعا عن الكرامة الأكاديمية وحق أبناء الشعب في تعليم عالٍ جيد ومجاني.
كما دعت إلى تعزيز ثقافة المساءلة الداخلية، وتوثيق الخروقات وإحالتها على الجهات المختصة، مع ضرورة احترام استقلالية الجامعة وحماية دورها كرافعة للعدالة الاجتماعية والتنمية الوطنية.