أشد الأشياء التي تُدخل إلى جحيم السياسة هي كثرة الكلام، وأحيانا عدم وضعه في ميزان منطقي. قال عبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في حوار صحفي “إن الأعيان أهم من المناضلين”، هو يبني تصوره على ضرورة الحصول على المقاعد بأي ثمن وبعد الحصول عليها يمكن الدفاع عن الأفكار من خلال الموقع السياسي. ومن أخطاء السياسيين هو أن “يحسبوا لوحدهم” أحيانا.
لا يمكن بتاتا العيش في الماضي، لأن حقيقة العمل السياسي هو استشراف المستقبل. الأعيان قصة من التاريخ لا يمكن أن تكون قاعدة في مغرب القرن الحادي والعشرين بل في ظل دستور 2011 الذي يحتاج نخبا سياسية قوية لتمارس الحكومة وتدبير الشأن العام.
الأعيان في المغرب ظاهرة تاريخية، ودائما كان لهم دور سياسي معين، لكن برز بعد الاستقلال بشكل كبير، لأن الدولة كانت في حاجة إلى بناء اقتصاد وطني، وبالتالي كانت في حاجة إلى تكتلات لرجال الأعمال ودعمهم، من أجل المساهمة الجادة في بناء الثروة الوطنية، لكن هذه التكتلات ستلعب دورا في مكافحة توجه الحزب الوحيد، الذي كانت تسعى بعض القوى إلى تركيزه في المغرب مقلدة في ذلك هيمنة أحزاب الحركات الوطنية في كثير من الدول على الحكم.
وتطورت العملية فيما بعد إلى تأسيس أحزاب سياسية تمثل الأعيان، لأن الجماهير كانت تحت هيمنة اليسار، ولم يبق للأحزاب المولودة في سياق مختلف سوى اللجوء للأعيان باعتبارهم يمتلكون سلطة رمزية في بلداتهم وقبائلهم، ومن خلال ذلك تمت مواجهة النزعات الراديكالية لليسار.
لكن المغرب تطور بعد ذلك بشكل كبير، وتغيرت الأوضاع، واخترقت الأحزاب السياسية كل الفئات والطبقات، واخترقت الفئات والطبقات الأحزاب السياسية، وتطور مفهوم الأعيان، واندمج جزء كبير منها في مفهوم النخبة الاقتصادية العصرية، وبالتالي يمكن أن تجد كل الفئات في كل حزب سياسي وبالتالي الحديث عن الأعيان مجازفة.
ما حدث في المغرب جاء في إطار إرساء بناء الدولة الحديثة، عبر تكوين نخب سياسية جديدة قادرة على التفاعل مع الواقع، وهذه النخب لا يمكن أن تكون من الأعيان، إلا من تحول منهم نحو نخبة اقتصادية، وبالتالي فإن المغرب في القرن الحادي والعشرين وفي ظل دستور 2011، يحتاج إلى أحزاب تنتج النخب وليس إلى أحزاب تعتمد على الأعيان.
فطبيعة الأعيان تقليدية، وأغلبهم في المناطق التي ما زالت مهيمنة فيها البنيات التقليدية، وخصوصا المناطق التي ما زالت سائدة فيها الأمية، وبالتالي لا يمكن أن نعول على هؤلاء في تطوير الدولة ومؤسساتها وتنزيل الدستور، وبالتالي هي ممارسة ينبغي القطع معها نهائيا وبشكل مطلق، والتوجه نحو مؤسسات حزبية دورها تأطير المواطنين، ومن خلال هذه العملية تستخلص زبدة المجتمع أي النخب القادرة على ممارسة الشأن العام عبر الحكومة وعبر المجالس المنتخبة، أما الأعيان فهم مجرد أصوات “كبيرة” تصلح للمفاوضات.