*الدكتور احمد درداري رئيس المركز الدولي لرصد الازمات واستشراف السياسات.
جاء البلاغ الذي تلاه وزير الخاريجية الجزائرية لعمامرة ، مدعيا مجموعة من الأسباب والمبررات الداعية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية وأغلبها زائف وعبثي ومرجوع وغير دلالي من الناحية الواقعية :
– حيث تم سرد كرونولوجية مبعثرة تم سردها من جانب واحد وتم ضخ مجموعة من الاحداث والاحكام لا يمكن التحقق من صحتها ومقارعتها الا بارجاع القادة من تحت التراب وكذلك الظروف الدولية التي اختلفت من حقبة لأخرى فذهب العمامرة مباشرة لى عملية ترسيم الحدود بدون موضوعية دون اتفاق مع المغرب على محطة التاريخ الحقيقية التي يمكن اعتمادها لرسم هذه الحدود، ودون العودة للحدود التي أقرها قرار الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء.
وبدلا من الحديث عن حدود 1884 تخطى قرنا من الزمن ليتكلم انطلاقا من سنة 1972 و 1989 و أنه في سنة 1976 تم قطع العلاقات مع المغرب واستمرت 12 سنة في حين لم يسرد تآمر بلاده الجزائر على المغرب و لم يقف عند اسباب حرب 63 الى ذكرها للتذرع بالذين ماتو في الحرب بكونهم شهداء دون ذكر اقتسام الشهادة مع المغاربة الذين ماتوا في الحرب .
– واضاف تطبيع العلاقات الثنائة بين البلدين الجزائر والمغرب سنة 1988 دون التمييز بين مصطلح التطبيع واعادة العلاقات الى طبيعتها وهذا يدل على عمق العداء وذكر أن خادم الحرمين كان توسط في التطبيع وكأنه لم يكون مقتنعا بالتطبيع لولا تدخل هذا الاخير ، وانما تم ذلك تحت الضغط.
ومصطلح التطبيع يستخدم ضد الطبيعة البشرية والحياة العادية ، كما ذكر فكرة بناء المغرب العربي الكبير، بدلا من اتحاد المغرب العربي، ودون الاعتراف بمكونات الاتحاد الهوياتي وبأن الوحدة المغاربية غير ممكنة مع وجود نظام عسكري الى جانب أنظمة سياسية مدنية حرة مغاربية.
– وذكر بأن الجزائر ترفض التدخل في شؤون المغرب في تناقض تام مع الواقع الذي يشهد على أن النظام العسكري الجزائري يتدخل بكل الوسائل ويطلب يد الدول لذلك ويمد عصابة البوليساريو بالسلاح والمال والجنسية بما فيها الديبلوماسية كما تتأمر على المغرب وتمول الحملات العدائية من أموال الشعب الجزائري الابي الذي يرفض ذلك ، كما تطالب بانشاء دولة فوق التراب المغربي بل وتصنع داخل وحدات صناعية عسكرية القرقوبي والحبوب المهلويسة وتصدرها الى المغرب لتدمير عقول الشباب المغربي بالاضافة الى تطبيعها مع ايران وحزب الله و. ذلك أمام أنظار المجتمع الدولي واتهمت المغرب بأنه يخوض حرب دنيئه ضد الجزائر .
– وذكر أن المغرب نسج سينارويهات خيالية وان القادم مع المغرب خطير جدا في تلويح منه الى امكانية اللجوء الى خيار الحرب ، بينما الصواب هو ان هذا كله يدل على عجز النظام الجزائري وفقدانه للصواب وللثقة ولكثير من المال وفضحه أمام العالم في قضية الصحراء المغربية وتلاعبه بالقانون الدولي في قضية ابن بطوش وتوريطه لدول اوربية في التفاهات و بمعطيات مؤكدة جعلته يلجأ الى قرار كان متوقعا وغير مؤثر لأن العلاقات كانت محدودة جدا من قبل، و بريق الأمل أطفاه غباء القادة الجزائريين ضدا في مصلحة الشعب الجزائري الذي يعرف جدا أنه محاط بقبضة عسكرية من حديد .
– وذكر أن المغرب يوم 16 يونيو قدم الدعم السياسي من أعلى سلطة لوزير خاريجة اسرائيل في اشارة الى جلالة الملك والقادة الجزائرين ليس لديهم تكوين عالي لا القانون الدولي ولا في السياسة الخارجية والعلوم السياسية والديبلوماسية حتى يمكنهم معرفة اختصاصات الملك كاملة وحتى يميزوا بين كثير من الامور ، واعتبرها لعمامرة أن المغرب تخلى بشكل كلي او جزئي عن الالتزامات الاساسية التي تقوم عليها عملية التطبيع بين البلدين. وهنا يبدو أنه صنف المغرب ضمن قائمة الالتزامات التي يرفضها عليه التطبيع مع اسرائيل، كأن المغرب ليس شقيقا بل عدوا له فقط منطلقا قناعة رفض تطبيع بلده مع دولة اسرائيل و ان المغرب يسرى عليه نظام التطبيع .
– ووقف عند الاتهامات الموجهة للجزائر من طرلف مسؤول اسرائيلي بتحريض من المغرب بينما بن بطوش لم يتم منحه صفة ديبلوماسي جزائري وتغيير اسمه المغربي الاصلي وتوشيحه كزعيم لعصابة البوليساريو بل تم استشفائه في مشفى جزائري ثم نقل الى اسبانيا ثم اعيد الى الجزائر بعد نقله من اسبانيا نحو الحزائر ، والعمل أيضا على ترسيم الحدود مع البوليساريو من جانب واحد وبشكل فوضوي دون استشارة الامم المتحدة ولا مع المغرب، علما ان الحزائر في جوابها عن الصحراء تقول ان النزاع بيد الامم المتحدة ، اضافة الى أن وزير خارجية أية دولة مسؤول عن كلامه ولا يمثل في قوله أحد غير بلده، و هو مسؤول قانونيا عن تصريحاته.
– و أشار إلى أنه منذ 1948 لم يصدر قرار من دولة عربية ضد دولة عربية أخرى، و حشر الجزائر بذلك في مغالطتين؛
الأولى هي أن الجزائر لم تكن متوحدة سنة 1948 و لم تستقل إلا سنة 1962.
ثانيا وقوفه عند سنة 1948 و كأنه تريد أن يقول أن الوحدة العربية كانت منذ احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية سنة 1948، الفلسطينيين كانوا أكثر وعيا وتقدما في هذا التاريخ وقبله وبعده.
– و استعمل عبارة العداء الشديد و الإندفاع المتهور، بينما العهد الجديد لم يصدر من المغرب شيء يضر بمصالح الشعب الجزائري في مقابل عمر الأزمة التي سببها النظام العسكري الجزائري للمغرب مر عليها حوالي 46 سنة. و اقحم نفسه موضوع النزاع بدعوى مساعدة الثوار والاشتراكيين الماركسيين على التمرد وتغيير الانظمة الليبرالية كما أن إسبانيا لم تستعمر شبرا واحدا من تراب الجزائر، و ليثبت متى تواجهت المقاومة الجزائرية مع الجيوش الإسبانية في الصحراء أو غيرها…
و أشار إلى المادة 5 من معاهدة حسن الجوار بين البلدين، متناسيا بأن ابن بطوش و تسليح الانفصاليين يضرب المعاهدة عرض الحائط دون تحفظ على اية فقرة من اتفاقية حسن الجوار.
و قام بمحاربة المغرب داخل الاتحاد الإفريقي و داخل مجموعة الدول في أوروبا وفي امريكا اللاتينية وطلب المساندة من الأنظمة الشمولية الموالية للاتحاد السوفياتي السابق.
– كما اتهم المغرب بأنه يتعاون مع منظمتين ارهابيتين ماك ورشاد المتهمين بالحرائق في منطقة القبائل وهذا يدل على هوان وضعف القدرات الأمنية داخل الجزائر واللجوء الى الاتهامات هو فقط للجواب عن سؤال من قام بهذا الفعل الشنيع ، متناسيا أن عناصر من حزب الله جاؤوا إلى الجزائر لتدريب عناصر البوليساريو على حفر الأنفاق و حرب العصابات ضد البلد الجار . كما أغمض عينيه عن قضية إسماعيل الذي سلمته عناصر الجيش الجزائري لمواطنين غاضبين لتصفيته بتهمة ابرام النار في الغابات هو فنان جزائري محترم وطني ومتضامن وهو من التهمة بريء، وحتى المواطنين الغاضبين كانوا في وضعية صعب عليهم فيها ضبط النفس أمام هول الفاجعة و الجيش يعلم ذلك جيدا، وحبذا في تلك اللحظة ان يصل الى عين المكان مسؤلي الدولة . وهل ماك و رشاد هما اللتان قتلتا اسماعيل …
و هل هما اللتان كانتا تسوقان السيارة التي أهين وضرب على متنها قبل تسليمه للحرق و قطع الرأس؟ أم العملية تترجمها فعل اقتل و امشي وراء الجنازة المقتول.
و اتهم المغرب بالتجسس على المواطنين الجزائريين وهو يعلم ان التجسس هو جريمة دولة يعاقب عليها القانون ان الموطنين في حين المواطنين لا يشكلون خطرا على احد حتى تستعمل هذه العبارة التي ليست الا محاولة لتأجيج مشاعر الجزائريين تجاه المغرب في موضوع تافه .
– واتهم المغرب بأنه من وراء انفجار مراكش 1994 حيث اختار 24 غشت لاعلان قطع العلاقة مع المغرب لربط القرار بتاريخ الحدث الارهابي و أن الجزائر تدعي انها على علم بذلك في حين ترى في معرفة أي معلومة داخل الجزائر من طرف المغرب تجسس فيعترف أن الجزائر تتجسس كما تريد و تمنع ذلك على المغرب.
– و تحدث عن الاستفتاء الذي كان قد قرره المغرب متناسيا أن الاستفتاء لا يكون حول الوحدة الترابية داخل نفس الدولة ، كما أنه يكون بين ابناء نفس الشعب الواحد. و لا يمكن الاستشارة مع الجزائر في هذا الموضوع كدولة عدوة صاحبة المنفعة في إجرائه.
– فلعمامرة استعمل مصطلحات خاصة بالمعنى المحدد جزائريا بدل من مفاهيم متوافق عليها. من قبيل التآخي الذي له معنى خاص عند العسكر الجزائري بينما التآخي مع الأجانب ممنوع في العقيدة العسكرية القتالية .
و الاحتكام للعقل الخاص بالحكام الجزائريين و الذين منطقهم يرفض الأفعال التي يريدون و يشرعن الأفعال التي يريدون على قياسهم.
الواقع من منظور جزائري و فهم السياسة من جانب واحد و القول عواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية و كأن وزارة الخارجية الجزائرية تحمل هم الشعوب المغاربية كلها بينما الشعب الجزائري فهو منأى عند الاهتمام وليس له الاولوية في تخطيط النظام العسكري ، تناقض في الكلام، و أحكام جاهزة و مغالطات تعبر عن عجز نظام العسكر عن مسايرة التطور وتحمل ضغوطات الأوضاع الداخلية اضافة الى تآكل نظريته التي انتهت منذ تسعينيات القرن الماضي وتورطه على المستوى الخارجي في ملفات و قضايا أصبحت تلاحق المسؤولين الجزائريين الذين يعكسون الجزائر العميقة التي تبني كل الخرافات على الخوف و توجيه الشعب بالصدمات العدائية مغ المغرب و تهدئة الثكنات العسكرية خوفا من الانفلاتات…
– الرد المغربي الحكيم :
ويأتي رد المغرب في بيان وزير الخارجية المغربي حاملا معه الاوكسجين لقرار الموت السريري للعلاقات الديبلوماسية بين البلدين من جانب واحد وذلك باطلاق شعبة ديبلوماسية جديدة في الحقل الديبلوماسي تسمى الديبلوماسية الشعبية والموازية والتي تعيش حتى بعد موت الديبلوماسية الرسمية بين الدول وذلك انطلاقا من قناعة جلالة الملك وحبه للشعب الجزائري وايضا انطلاقا من تنوع الروابط ومواد العلاقات الانسانية بين الشعوب والتي هي سابقة على وجود الدولة ولا تتأثر بقطع العلاقات الديبلوماسية الرسمية بل تستمر وتتعزز بالعلاقات القنصلية والعلاقات الشعبية المفتوحة التي تعتمد على الانسانية والروابط الثقافية والاجتماعية والاقتصادية من غير الروابط السياسية . مصداقا لقولة تعالى : وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو ان اكرمكم عند الله اتقاكم.
فالديبلوماسية الشعبية هي التي كانت موجودة في ظل التوتر وما تزال بحكم عراقة الروابط بين الشعبين الشقيقين الجزائري والمغربي ورغم الاعلان عن قطع العلاقات من طرف النظام العسكري الجزائري الذي لم يعير الاهتمام بروابط الشعبين ودفع الى قطع الديبلوماسية بما فيها الشعبية وفي ذلك خطر على حكام الجزائر ان اقبلوا على منع التواصل وعرقلة الحياة المدنية والحقوقية بين الشعبين، خصوصا وان الجالية الجزائرية تقدر بحوالي سبعة ملايين مواطن في المهجر والتي تمثل قوة ضغط كبيرة لابطال قرارات حكم العسكر على مستوى العالم.
فالدبلوماسية المغربية عريقة ولها نظرة عميقة وشاملة لحقل العلاقات الدولية والسياسة الخارجية للدول اضافة الى درايتها التامة بان الصراع حول السلطة في الجزائر محاط بالموت وهو سبب تشنج الحكام الجزائريين خوفا على فقدانهم الكراسي والمصالح ، فلو تطلب الامر موت الشعب الجزائري في نظرهم لا يهم أكثر من الحفاظ على مصالح طغمة الحكام الفاسدة . لكن يبقى لكل بداية نهاية ولكل صعود نزول ولكل مغامرة تكلفة .