نظرة طفيفة إلى أرقام حديثة حول ما يُنفقه المغرب والمواطن المغربي على الصحة ومقارنتها بما توجد عليه منظومة الصحة كافٍ جدا لوصف المغرب، ولو مجازا، بالرجل المريض..
إليكم بالأرقام؛ تسعين دولارا هي التكلفة التي يُنفقها المواطن المغربي على صحته سنويا، وثلاثة مليارات دولار (قرابة 30 مليار درهم) هي التكلفة التي ينفقها المغاربة على صحتهم كمساهمة مباشرة دون احتساب ما تنفقه الدولة على منظومة الصحة.
هذه الأرقام التي هي استنتاج لدراسة حديثة صادرة عن منظمة دولية، تداولتها العديد من وسائل الإعلام، وإن كانت تبدو عادية، فإنها تستوجب الإمعان والتمحيص، كما أنها في الوقت نفسه إحالة إلى مفارقات غريبة يستعصى فهمُها، خصوصا إذا علمنا أن الدراسة خلصت أيضا إلى أن الدولة أنفقت على الصحة خلال 2018 ملياري دولار، أي ما يناهز عشرين مليار درهم.
بعملية حسابية بسيطة نفهم لماذا أمكن وصف المغرب بالرجل المريض، في وقت يلح فيه المسؤولون عن قطاع الصحة في الحكومات المتعاقبة على أن الأمور دائما على أحسن ما يرام وتبشر بخير الشعب المغربي صحيا، لولا أن الاستنتاج الحسابي يُفهَم منه أن المواطنين ينفقون على صحتهم أكثر مما تنفقه الدولة عليهم، في وقت نجتر فيه صباح مساء حق المواطن في الصحة، وفي وقت تلزم فيه القوانين والمواثيق الدولية كل الدول بإحقاق هذا الحق عن طريق مجانية التطبيب أولا، وعن طريق الانخراط الجدي في البرامج الدولية الكفيلة بالقضاء على الأمراض الفتاكة والمعدية ثانيا وعن طريق تسهيل الولوج إلى الخدمات الصحية ثالثا.. الاستنتاج الحسابي من العملية البسيطة أيضا، يكشف لنا أن المغربي ينفق 7.5 دولارات شهريا على صحته وربع دولار في اليوم على هذه الصحة.
نعم، المغاربة رغم فقر وهشاشة غالبيتهم ينفقون على صحتهم أكثر مما تنفق عليهم الدولة حسب الدراسة المذكورة، شيء لا يصدّق ولكنه واقع مُر وبالأرقام الصادرة عن مؤسسات دولية.
من المنطقي أن المغرب الذي ترتفع فيه معدلات البطالة ولا تنخفض عن 10 في المائة، ويشكل فيه الذين يتقاضون الحد الأدنى من الأجور حصة الأسد من الذين يؤثثون سوق الشغل الوطني، كما يشكل فيه أصحاب الرواتب الشهرية المتدنية نفس الحصة من الموظفين، ويشكل فيه الأطفال والأرامل والمتقاعدون بمعاشات ضئيلة لا تسمن و لا تغني من جوع السواد الأعظم من الساكنة (من المنطقي) أن تكون فيه المنظومة الصحية مسندة من أولها إلى آخرها إلى الدولة ولا تكون عبئا على المواطن.
ومن المنطقي أيضا أن المغرب الذي ترتفع فيه معدلات تفشي الأمراض المعدية والفتاكة، بداية من داء فقدان المناعة والتهاب الفيروس الكبدي، بأنواعه الثلاثة، مرورا بداء السل وأمراض أخرى يستحيل حصرها هنا، ألا يجد المواطنون أنفسهم في مواجهة الموت في كل دقيقة وحين، مادامت القدرة على إنفاق الصحة لا تتعدى ربع دولار يوميا، لكن الذي ليس منطقيا هو أن تكون بالمغرب مجموعة كبيرة من المراكز الاستشفائية الجامعية والمستشفيات الإقليمية والجهوية وأن تكون جلها مفتقدة إلى الأدوية وإلى التجهيزات الضرورية وغير الضرورية، الذي ليس منطقيا، أيضا، هو أن تترك المواطن عرضة إلى الموت، قبل أن يكون في صراع مهين مع عيادات ومصحات القطاع الخاص في وقت لا يكون بمقدوره توفير ثمن الوصفة الطبية، فما بالك ثمن الفحص بالأشعة أو شراء الأدوية..
إنه المغرب المريض..