وسط أجواء مشحونة سياسياً وتباينات متصاعدة في الرؤى بين الأحزاب والمؤسسات الحقوقية، أثارت دعوة حزب العدالة والتنمية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” للمشاركة في مؤتمره الوطني التاسع، المزمع تنظيمه يومي 26 و27 أبريل بمدينة بوزنيقة، موجة من الانتقادات وردود الفعل المتباينة في الساحة السياسية المغربية.
ووفق مصادر متطابقة، فإن “حماس” أكدت مشاركتها في المؤتمر من خلال وفد رسمي يرأسه الناطق باسمها فوزي برهوم، في أول زيارة له إلى المملكة المغربية.
مصدر مسؤول في حزب العدالة والتنمية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أوضح في تصريح له أن هذه الدعوة “تأتي امتداداً لمواقف الحزب المبدئية تجاه القضية الفلسطينية، وتأكيداً على استقلاليته في اتخاذ قراراته بعيداً عن أي وصاية”، مشدداً على أن “مشاركة الحركة ليست خرقاً لأعراف، بل تعبير سياسي تضامني مع شعب يتعرض لحرب إبادة ممنهجة”.
وأضاف المصدر أن “الدعوة جاءت منسجمة مع مواقف الحزب الرافضة للتطبيع، والمتمسكة بتوجيهات جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، الذي شدد مراراً على أن القضية الفلسطينية تحتل المكانة نفسها التي تحتلها قضية الوحدة الترابية للمملكة”.
في المقابل، أثارت الخطوة انتقادات حادة من منظمات مدنية، أبرزها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، التي اعتبرت في بيان رسمي أن دعوة الحركة “سابقة خطيرة تمسّ السيادة الوطنية”، ودعت وزارة الداخلية إلى التدخل لمنع تنظيم المؤتمر، مبررة ذلك بكون الحزب “لم يعد يمتلك الشرعية التمثيلية لتبني مواقف تمسّ الإجماع الوطني”.
وذهبت المنظمة ذاتها إلى المطالبة بتقليص الدعم العمومي المخصص للحزب، مشيرة إلى “تراجعه الانتخابي الكبير”، واقترحت خفض الدعم من 2.6 مليون درهم إلى 50 ألف درهم فقط.
وفي سياق متصل، أكد إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، أن الحزب لم يوجّه الدعوة إلى عدد من الشخصيات السياسية البارزة، من بينهم رئيس الحكومة عزيز أخنوش والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، مرجعاً ذلك إلى “التوتر القائم في العلاقات السياسية مع الحزب”.
وأشار الأزمي إلى أن التقرير السياسي المرتقب عرضه خلال المؤتمر سيتضمن مواقف نقدية حادة تجاه عدد من رموز الحكومة، خاصة في ملفات تتعلق بتضارب المصالح والفساد، معتبراً أن دعوة هذه الشخصيات كانت ستشكل “تناقضاً غير مريح مع توجهات الحزب وقاعدته الشعبية”.
من جانبه، لم يُخفِ عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، تمسكه بموقف الحزب من حضور وفد “حماس”، معتبراً أن ذلك “شرف لا غبار عليه”، واصفاً الدعوات الحقوقية المطالبة بمنع المؤتمر بـ”قلة الحياء”.
وقال ابن كيران خلال اجتماع الأمانة العامة للحزب إن “القضية الفلسطينية في مرتبة القضية الوطنية ذاتها”، موجهاً انتقادات لاذعة للحكومة الإسرائيلية، وواصفاً رئيسها بنيامين نتنياهو بـ”المجرم المتوحش”.
كما وجّه رسائل صريحة إلى الدولة المغربية، داعياً إلى وقف أي علاقات تجارية أو لوجستية مع إسرائيل، خاصة ما وصفه بـ”تزود السفن الإسرائيلية بالسلاح من الموانئ المغربية”، معتبراً ذلك “أمراً لا أخلاقياً ولا شرعياً”.
ويأتي هذا التطور في لحظة سياسية حساسة، حيث يسعى حزب العدالة والتنمية إلى استعادة بعض من بريقه السياسي عقب نكسته الانتخابية عام 2021. وفيما يعتبر المؤتمر الوطني التاسع فرصة داخلية لإعادة ترتيب البيت الحزبي، فإنه بات، في ظل الجدل الدائر، محطة خارجية تختبر حدود التفاعل بين المواقف الحزبية والدولة، وتطرح أسئلة عميقة حول موقع الأحزاب في تحديد الخطوط الحمراء في السياسة الخارجية للمملكة.