أحد أكبر الأخطاء التي ارتكبها معسكر الخصوم، أو “العالم الآخر” بتعبير جلالة الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء، هو التحرش المسلح لجبهة البوليساريو حيث أطلقت مقذوفا سقط على مقربة من احتفال بالذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء كان يقام بمنطقة المحبس، الواقعة قرب الجدار الأمني، حيث استغل مجموعة أفراد من المرتزقة المنطقة العازلة للقيام بفعلهم الإرهابي، وتم التعامل معهم بما يلزم وفق قواعد القانون الدولي.
فبكل المعايير ما قامت به جبهة البوليساريو بدعم كامل من الجزائر، تسليحا وتدريبا ودعاية، هو خرق لوقف إطلاق النار، المتفق عليه منذ سنة 1991، الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة “المينورسو”، بينما الرد المغربي، المتمثل في قصف المرتزقة الذين أطلقوا المقذوف، فمن ناحية هو يدخل في باب حق الرد، ومن جهة أخرى تم داخل المنطقة العازلة، التي لا يحق لأحد أن يكون فيها بشكل مطلق.
ولنفترض أن جبهة المرتزقة فعلا تنصلت من وقف إطلاق النار، كما أعلنت منذ طردهم من معبر الكركرات دون احتكاك، ومنذ ذلك التاريخ وهي تمارس مثل هذه التحرشات، فعلى أي أساس أطلقت مقذوفا تجاه خيمة صحراويين مدنيين، ممن تزعم بهتانا وزورا أنها تدافع عنهم وعن حقهم في تقرير المصير؟ كيف تهاجم من تدعي الدفاع عنه؟ لقد ظهر الزور الذي تعيش عليه عصابة المرتزقة.
غير أن الحديث عن مقذوف البوليساريو، لا ينبغي أن ينسينا الحقيقة الجلية، وهي أن المخطط جزائري، وأن النظام العسكري، الذي يعيش في العالم الآخر، هو الذي يقوم بهذا النوع من التحرشات لإثارة الانتباه وللتغطية على فشله داخليا في تدبير مشاكله السياسية والاجتماعية، ولقد مهّد لذلك بتقرير تليفيزيوني مسيء للمغاربة، من خلال الإساءة لآبائهم وأجدادهم، الذين شاركوا في مسيرة العز والكرامة، والذين ضحوا بالغالي والنفيس، واقتحموا الأراضي التي كان يحتلها المستعمر، وهي مسيرة التحدي لأنها مسيرة سلمية من غير سلاح شعارها القرآن الكريم.
لا يمكن لمن عاش عبدا تابعا خانعا أن يفهم معنى انتصار المقاومة المدنية على السلاح، فلا أحد كان يتوقع رد الفعل الإسباني، حيث كانت جيوشه مرابطة بالصحراء، لكن هذه الآلاف المؤلفة من المغاربة الأحرار دفعت بالجنرال فرانكو، وهو أقوى جنرال حينها، إلى أن يرضح لمطالب المغرب ويقرر توقيع اتفاقية الانسحاب وتسليم الأراضي المغربية، التي لم يكن المشاركون في المسيرة سيعودون منها قبل تحقيق الهدف.
فما بين بث التقرير التلفزي المخزي، والذي لا علاقة له بالصراع السياسي، وإطلاق المقذوف نحو “المحبس”، رابط كبير عنوانه محاولة التعبير عن وجود أصبح كالعدم، وجر المنطقة للفتنة، وهذا ما أفصح عنه ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، في جلسة برلمانية، عندما قال إن الجزائر تسعى للحرب، والوزير يمثل الدولة المغربية ولا يمكن أن يغامر بتصريح دون أن تتوفر لديه الدلائل والمؤشرات، ولا يمكن للجزائر تهريب أزمتها في حرب مع المغرب، الذي يجنح دائما للسلم مع استعداده، الذي يفوق خيال النظام العسكري، للحرب تدريبا وتسليحا.
فكما كان معبر الكركرات فرصة لامتلاك حق ضرب كل من يدخل المنطقة العازلة، فستكون قضية “المحبس” الفرصة لتحريك الملف نحو الحسم السياسي.