شرعت وزارة الداخلية، تحت إشراف المفتشية العامة للإدارة الترابية، في التحضير لإطلاق أكبر عملية تدقيق وتفتيش نوعية على المستوى الوطني، تستهدف محاصرة ممارسات المضاربة والاختلالات المرتبطة بتدبير الأملاك العقارية الجماعية، بعد تقارير صادمة وردت من مديرية الممتلكات، كشفت عن خروقات جسيمة تطال تدبير هذه الأصول العقارية من قبل عدد من المنتخبين المحليين.
وأشارت المصادر إلى ان المصالح المركزية بوزارة الداخلية تلقت تقارير مفصلة تتضمن معطيات دقيقة حول تورط رؤساء جماعات ترابية في صفقات مشبوهة مع منعشين عقاريين، تم خلالها تفويت أراضٍ جماعية بثمن بخس، وخارج قواعد المنافسة والشفافية، مما يشكل ضرباً واضحاً لمبادئ الحكامة الجيدة ويطرح شكوكا حول وجود شبهات فساد واستغلال للنفوذ.
وأفادت المصادر ، أن لجان التفتيش، التي يجري إعدادها بتنسيق بين مديرية الممتلكات والمفتشية العامة، ستشرع خلال المرحلة الأولى في تنقلات ميدانية إلى جماعات ترابية في جهتي الدار البيضاء–سطات والرباط–سلا–القنيطرة، في خطوة أولى من برنامج وطني شامل.
وستعكف هذه اللجان على التثبت من مدى احترام المسؤولين الجماعيين للقانون، وخاصة القانون رقم 57.19 المتعلق بنظام الأملاك العقارية للجماعات الترابية، إضافة إلى مدى التزامهم بتوجيهات المصالح المركزية، لا سيما تلك المتعلقة بإجراءات حصر وتحفيظ وتحيين الأملاك الجماعية.
وتشير التقارير الأولية، التي ساهمت في بلورة هذا التحرك، إلى تسجيل حالات عديدة من الإهمال المتعمد وخرق الإجراءات القانونية، من بينها تجاهل تفعيل آليات الخبرة الإدارية والمزايدة العلنية عند التفويت، وعدم تحيين سجل الممتلكات الجماعية، فضلاً عن تصنيف غير دقيق لها، مما يفتح الباب أمام استغلالها بشكل غير مشروع.
كما أُثيرت، بحسب المصادر نفسها، قضايا تتعلق بتورط موظفين جماعيين ومنتخبين في إبرام عقود كراء أو تفويت لفائدة مستفيدين في وضعية تضارب مصالح، بمن فيهم أعضاء مجالس الجماعات أنفسهم، في مخالفة صارخة للقانون.
وتتجه وزارة الداخلية، بحسب ذات المصادر، إلى تبني نهج حازم وغير مسبوق في التعاطي مع نتائج التحقيقات المرتقبة. ومن المنتظر أن يتم إحالة ملفات عدد من المنتخبين والمسؤولين المحليين على محاكم جرائم الأموال، بعد رصد قرائن قوية على وجود شبهات فساد واستغلال للمنصب.
ومن بين الحالات الصادمة التي تم توثيقها، قيام رؤساء جماعات بتفويت أراضٍ جماعية إلى منعشين مقربين منهم، تحت غطاء إنجاز مشاريع ذات طابع تنموي، في حين كشفت التحقيقات أن الأمر يتعلق بمشاريع تجارية وعقارية تدر أرباحاً طائلة على أصحابها، بعيداً عن أي فائدة تذكر للجماعة أو الساكنة.
كما سجلت تقارير مديرية الممتلكات تقاعس عدد من الرؤساء في متابعة ملفات طرد محتلي عقارات مملوكة للجماعات، وغياب أي مسعى جدي لتسوية متأخرات الكراء المتراكمة، فضلاً عن الإخلال بشروط فسخ عقود التأجير لفائدة مستفيدين في وضعيات قانونية غير سليمة، ما زاد من تفاقم وضعية الريع العقاري واستنزاف موارد الجماعات.
هذه الخطوة، التي توصف بكونها “أكبر حملة تفتيش نوعية من نوعها في تاريخ وزارة الداخلية”، تأتي في إطار سياسة ترسيخ الشفافية وتخليق الحياة العامة، وتعكس إرادة الدولة في محاربة الريع العقاري وتحصين الأملاك الجماعية باعتبارها جزءاً من الثروة الوطنية ورافعة أساسية للتنمية المجالية.
ويُنتظر أن تكون لنتائج هذه الحملة انعكاسات سياسية وقضائية قوية، خاصة في ظل عزم الوزارة على عدم التساهل مع أي مسؤول ثبت تورطه في تبديد ممتلكات عمومية أو التواطؤ في تسهيل المضاربات العقارية غير المشروعة.