يدخل مشروع الربط البحري المباشر بين ميناء طنجة المتوسط وميناء جدة الإسلامي مرحلة التنفيذ، ليشكل خطوة استراتيجية في مسار تعزيز الشراكة الاقتصادية المغربية السعودية، وسعياً لتحقيق توازن تجاري لطالما مال لصالح الرياض.
هذا الخط، الذي ظل حبيس المقترحات لعقود، بات واقعاً بعد زيارة وفد رفيع من اتحاد الغرف السعودية إلى الرباط في يونيو الماضي، حيث حظي المشروع بدعم سياسي مغربي واضح، تُرجم بلقاءات مع أربعة وزراء مغاربة عبّروا خلالها عن إرادتهم المشتركة لتسريع إخراجه إلى حيز التنفيذ.
وأكد رئيس اتحاد الغرف السعودية، حسن الحويزي، أن المشروع يمثل “أولوية استراتيجية” للاتحاد في علاقته بالمملكة المغربية، كاشفاً عن تشكيل لجنة عمل مشتركة مع وزارة الصناعة والتجارة المغربية للإشراف على كافة مراحل المشروع، وتجاوز العراقيل اللوجستية والتقنية.
وزير الصناعة والتجارة المغربي، رياض مزور، أوضح من جانبه أن هذا الخط من شأنه مضاعفة الصادرات المغربية نحو السوق السعودية بسبع مرات، مبرزاً أنه “سيسهم في خفض كلفة الشحن وتقليص مدته، بما يعزز من تنافسية المنتوج المغربي ويقوي الميزان التجاري”.
ومن الناحية التقنية، أكد خالد بنجلون، رئيس مجلس الأعمال المغربي السعودي، أن زمن نقل البضائع بين طنجة وجدة سينخفض من أربعة أسابيع إلى ما بين 5 و7 أيام فقط، ما سيسمح بانسيابية أكبر في التبادل التجاري ويفتح فرصاً جديدة للشركات الصغيرة والمتوسطة في البلدين.
ولا تقتصر رهانات المغرب على السوق السعودية فقط، بل يتطلع لأن يكون هذا الخط منصة انطلاق سعودية نحو الأسواق الإفريقية، خاصة أن المغرب يراهن على مكانته كمركز إقليمي للتوزيع بفضل بنيته التحتية المتطورة وموقعه الاستراتيجي.
وتبلغ الاستثمارات السعودية المباشرة في المغرب قرابة 6 مليارات دولار، موزعة أساساً على قطاعات الطاقة المتجددة، والصحة، والسياحة، وهي أرقام مرشحة للارتفاع في ظل الدينامية الجديدة التي يتيحها المشروع البحري.
أما من الجانب السعودي، فقد كشف المستثمر علي برمان عن تقدم مفاوضات إنشاء شركة نقل بحري سعودية – مغربية، ستبدأ نشاطها بناقلتين حمولة كل منهما 5000 حاوية، بنظام التأجير المؤقت، في انتظار توسيع الأسطول خلال المراحل اللاحقة.
وأكد برمان أن المشروع سيُحدث تحوّلاً حقيقياً في حركة السلع والخدمات، خاصة فيما يتعلق بالبضائع سريعة التلف، مشدداً على أن خفض زمن الشحن من 40 إلى 14 يوماً سيُترجم إلى كلفة أقل وربحية أعلى.
وبحسب المعطيات الرسمية، فإن ما يقرب من 1500 مصنع سعودي سيكون بإمكانه الاستفادة من هذا الربط، لتوسيع أسواقه نحو إفريقيا انطلاقاً من الموانئ المغربية.
هكذا، يتحول الخط البحري طنجة – جدة من فكرة مؤجلة إلى مشروع استراتيجي، يترجم التحولات الجيو-اقتصادية الجارية، ويعزز طموح البلدين لبلوغ مبادلات تجارية تتجاوز 5 مليارات دولار سنوياً، في أفق شراكة شاملة تتعدى منطق الربح نحو تثبيت تحالف اقتصادي طويل الأمد.