في سياق يتّسم بتحديات ديموغرافية واجتماعية متصاعدة، وجّهت نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد والمالية، دعوة قوية لتكثيف التعاون الإفريقي من أجل بناء أنظمة تقاعد أكثر صمودًا وعدالة. جاء ذلك في كلمة مسجلة ألقتها خلال افتتاح الدورة السادسة للمنتدى السنوي للجمعية الإفريقية لمراقبي المعاشات التقاعدية، المنعقد يوم الخميس 10 يوليوز 2025 بمراكش.
وأكدت الوزيرة أن “الرأسمال البشري والحماية الاجتماعية يقفان في صلب الرؤية التنموية للمغرب”، مشيرة إلى خارطة طريق وطنية قيد التنفيذ، ترمي إلى توسيع التغطية لتشمل 5 ملايين مغربي محروم من التقاعد، وإعادة هيكلة الأنظمة الحالية في القطاعين العام والخاص.
نحو نموذج إفريقي بديل
في ظل اتساع رقعة الهشاشة الاجتماعية وازدياد الفوارق بين العاملين النظاميين ونظرائهم في القطاع غير المهيكل، شدّدت فتاح العلوي على ضرورة تطوير “هندسة إفريقية لمعاشات تقاعدية صامدة وتخدم التنمية البشرية”، من خلال:
-
ملاءمة الأطر التنظيمية مع الخصوصيات الوطنية،
-
تبادل الخبرات بين الدول،
-
والاستثمار في حلول متجذرة في الواقع المحلي.
وفي إشارة لافتة، دعت الوزيرة إلى عدم استنساخ النماذج الدولية، بل “بناء أجوبة إفريقية تراعي السياقات الاقتصادية والديموغرافية الفريدة”.
من 49% إلى 80%: الرهان المغربي
من جهته، أبرز عبد الرحيم الشافعي، رئيس هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، أن نسبة تغطية التقاعد بالمغرب لا تزال متواضعة، حيث لا تتجاوز 49% من الساكنة النشيطة، مؤكداً أن تنزيل مضامين القانون الإطار رقم 09.21 سيمكن من رفعها إلى 80% في الأمد المتوسط.
وأشار إلى أن “الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية يُعدّ تحولاً استراتيجياً في تمكين المواطنين من الحق في التقاعد”، مشددًا على أهمية تحسين الحكامة، وتوسيع نطاق الاستفادة، وإدماج القطاع غير المهيكل.
تحديات ورهانات مشتركة
انعقاد هذا المنتدى في مراكش لم يكن محض صدفة، بل تجسيداً لدور المغرب كمحور إقليمي في قضايا الحماية الاجتماعية والمالية المستدامة. ويجمع الحدث مراقبين من عشرات الدول الإفريقية، إلى جانب منظمات دولية وخبراء، للتداول حول موضوع “تعزيز مرونة وصمود معاشات التقاعد بالقارة الإفريقية”.
ويركز المشاركون على سبل تطوير أنظمة التقاعد من خلال:
-
اعتماد آليات حكامة شفافة،
-
توسيع التغطية لتشمل كافة فئات السكان،
-
تحسين تدبير الأخطار الناشئة،
-
ودمج المعايير البيئية والاجتماعية في استراتيجيات الاستثمار طويلة الأمد.
بيان ختامي وتوصيات مرتقبة
من المتوقع أن تُختتم أشغال المنتدى بإصدار بيان ختامي يضم توصيات عملية قابلة للتنفيذ، تشكّل خارطة طريق لإصلاح أنظمة التقاعد في القارة.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الدعوات لتعزيز التضامن الاجتماعي، يبدو أن المغرب يسعى إلى قيادة تحوّل نوعي في التفكير الإقليمي حول التقاعد، مستنداً إلى تجربة وطنية غنية، وإرادة سياسية واضحة في جعل الحماية الاجتماعية ركيزة للنمو العادل والتماسك الوطني.