في قلب الأطلس المتوسط وبضواحي مدينة تيفلت، يكتب تلاميذ إعدادية جوهرة قصة نجاح فريدة في مواجهة واحدة من أكثر آفات التعليم تفشيًا في المغرب: الهدر المدرسي. فبمجهودات شبابية خالصة، نجح كل من سعيد وهدى وضحى، في إقناع ثمانية تلاميذ بالعودة إلى مقاعد الدراسة، ضمن حملة وطنية أطلقتها وزارة التربية الوطنية تحت شعار “من الطفل إلى الطفل”.
هذه المبادرة، التي تُجسد التربية على المواطنة والتضامن، تأتي في سياق مقلق، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى أن أكثر من 276 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويًا، غالبيتهم في المستوى الإعدادي، لأسباب تتراوح بين الفقر، والهشاشة، والصعوبات التعليمية، وحتى انعدام الحافز.
تقول التلميذة ضحى الغزولي، ذات الخمسة عشر ربيعًا، بفخر: “أقنعنا ثمانية من أصل 17 من أصدقائنا بالعودة إلى المدرسة.. وسنواصل حتى يعود الباقون”. ويضيف زميلها سعيد الرفاعي، “من المؤلم أن ترى صديقك يضيع مستقبله.. كان علينا التدخل”.
ولأن العمل لا يقتصر على التحفيز فقط، توضح التلميذة هدى النشبة كيف ساعدت، رفقة ضحى، جارة لهما على تجاوز الخوف والارتباك: “راجعنا معها بعض الدروس، ووريناها فيديوهات للأنشطة الترفيهية بالمدرسة.. اقتنعت أخيرًا”.
مدارس “الفرصة الثانية”.. جسر العودة
هؤلاء العائدون لا يلتحقون فقط بالمدرسة النظامية، بل يُستقبلون في مدارس الفرصة الثانية التي تقدم مزيجًا من الدروس النظرية والتكوين المهني، من الحلاقة والصباغة إلى الطبخ، ما يجعل المدرسة فضاءً أكثر جاذبية ومرونة.
في مدرسة أبي القاسم الشابي، التي تُديرها جمعية بشراكة مع الوزارة، يحاول 110 تلميذًا وتلميذة “طي الصفحة”، كما يقول أمين عثمان (17 سنة)، الذي عاد للدراسة بعد انقطاع دام عامين، ليصبح هو نفسه الآن مشاركًا في الحملة ومُقنعًا لغيره.
وتكشف بيانات الوزارة أن حوالي 70% من المستفيدين من الفرصة الثانية يتجهون نحو التكوين المهني، في حين 20% يعودون إلى التعليم النظامي، في ما يُعد إنجازًا بالنظر إلى تحديات الواقع.
أزمة ممتدة.. وأمل يتجدد
ظاهرة الانقطاع عن الدراسة تُعمق الفوارق الاجتماعية، إذ يشكل نقص التعليم السبب الأول للفقر في المغرب بنسبة 47.5%. كما تُشير الإحصائيات إلى أن معدل الأمية يصل إلى 24.8%، ما يُؤكد مركزية التعليم في رهان التنمية.
ورغم تعدد برامج الإصلاح، ما زال الاكتظاظ، وضعف البنية التحتية، وتفاوت جودة التعليم بين العمومي والخصوصي، تعيق المسار الدراسي للآلاف من التلاميذ، وتضعهم على شفير الانقطاع.
لكن مبادرات شبابية، مثل “من الطفل إلى الطفل”، تفتح كوة أمل، وتعيد للمدرسة دورها الطبيعي كمصعد اجتماعي. تقول جيهان الرافعي (17 سنة): “كنت بحاجة لمن ينصحني… وشعرت بالفراغ حين غادرت المدرسة. هذه الحملة منحتني فرصة لا تعوّض”.