بين ليلة وضحاها، وجدت رحاب ناصيف، البالغة من العمر 56 عامًا، نفسها مجبرة على الهروب من منزلها في ضاحية بيروت الجنوبية تحت وقع غارات جوية إسرائيلية كثيفة. تلك الغارات حولت ليل السكان إلى كابوس طويل، ما دفع الآلاف إلى الفرار بحثًا عن مأوى.
رحاب، التي قضت ليلتها في حديقة كنيسة وسط بيروت مع العديد من الفارين الآخرين، تصف مشاعرها قائلة: “كنت أتوقع توسع الحرب، لكن لم أتصور أبدًا أنها ستصل إلى المدنيين والبيوت والأطفال”. وتتابع بنبرة حزينة: “لم أجهز شيئًا للخروج، ولم يخطر ببالي أننا سنُترك في الشارع بهذه السرعة”.
الغارات الإسرائيلية استهدفت مناطق عديدة في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل حزب الله، حيث لم تهدأ طوال الليل. رغم حلول الظلام، كان وهج الانفجارات كافيًا لإضاءة سماء المنطقة، فيما اشتعلت النيران في عدة مواقع، مع تردد صدى الانفجارات في أنحاء العاصمة وضواحيها. هذا المشهد أعاد ذكريات الحرب بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006.
“أشعر اليوم بقلق وخوف من المجهول”، تقول رحاب التي تقيم في حي السلم، أحد أفقر الأحياء في الضاحية الجنوبية. “أن تترك منزلك ولا تعرف إلى أين تذهب أو ماذا سيحدث لك؟ هذه أسئلة نبحث لها عن إجابات”.
رغم العنف الكبير للغارات، لم يتضح حتى الآن حجم الدمار بشكل كامل ولا عدد الضحايا. تلفزيون المنار، التابع لحزب الله، بث لقطات صباح السبت تظهر دمارًا هائلًا في أبنية سويت بالأرض. المنطقة بدت بعد توقف الغارات أشبه بساحة حرب، مع استمرار تصاعد سحب الدخان.
وبينما أعلن الجيش الإسرائيلي أن الغارات استهدفت “المقر المركزي” لحزب الله في حارة حريك، لم يصدر الحزب أي بيان رسمي سوى نفيه الاتهامات الإسرائيلية بتخزين أسلحة في المباني التي طالتها الغارات.
تحت وقع القصف، فر ت مئات العائلات من الضاحية الجنوبية على عجل، وسط حالة من الهلع والغضب. أُعلنت مدارس ومساجد وكنائس فتح أبوابها لاستيعاب النازحين، في محاولة لتقديم مأوى مؤقت لهم.
في وسط بيروت، كما على الكورنيش البحري وفي عدة أحياء من العاصمة، شوهدت العائلات بأكملها تفترش الحدائق والأرصفة، في مشهد غير معتاد في العاصمة اللبنانية منذ سنوات. في ساحة الشهداء، بدت علامات الإرهاق واضحة على وجوه النازحين الذين أمضوا الليل في العراء.
هلا عز الدين، 55 عامًا، التي نزحت مع عائلتها من برج البراجنة، إحدى المناطق التي استهدفتها الغارات، تصف اللحظات الصعبة قائلة: “اشتد القصف ليلاً وبدأ البيت يهتز بنا”. وهي تتساءل بمرارة: “ما ذنب الشعب؟ تريدون خوض الحرب، لكن ما ذنبنا نحن؟”.
بغضب تختتم حديثها: “لسنا مضطرين لأن نعيش ما حدث في غزة، ولسنا مضطرين لتحمل ذلك”.