تساءلت نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن الجدوى من تقارير المجلس الأعلى للحسابات إن لم تتبعها محاسبة حقيقية، وأشارت مجموعة الكونفدرالية في مجلس المستشارين، أن المحاكم المالية تصدر تقارير سنوية ترصد فيها اختلالات المالية العمومية والإدارية، وسوء التدبير في عدة قطاعات، لكن السؤال هو هل تغير أي شيء، وسجلت خلال مناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات بمجلس المستشارين، أن المجلس كشف أن ورش الحماية الاجتماعية لا يسير وفق الأهداف المخططة، ولاتزال فئات واسعة خاصة في المناطق النائية محرومة من الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، رغم الميزانيات المهمة المرصودة لهذا القطاع.
ونبهت النقابة إلى الفجوة بين الخطط المعلنة والواقع الفعلي، مما يؤكد أن هناك إشكالات في التسيير والتوزيع العادل للموارد، إذ أن تقرير المجلس يسجل وجود تأخيرات كبيرة في تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية، ما يفاقم معاناة المواطنين وخاصة من الفئات الهشة.
وأكدت أن تقرير كشف عن موارد مالية مهمة مخصصة للحماية الاجتماعية دون أن يكون هناك أثر ملموس على جودة الخدمات الصحية المقدمة للمواطنات والمواطنين.
وسجلت الكونفدرالية أن التقرير يشير أيضا إلى وجود اختلالات في كيفية تقنين التعليم العالي الخاص، بحيث لا يوجد توازن حقيقي في الضوابط المفروضة على هذه المؤسسات، حيث تركز القوانين على الجوانب المالية والإدارية، وتهمل الشروط الأكاديمية والبيداغوجية.
وشددت على أن المطلوب اليوم ليس فقط نشر التقارير بل تفعيل آليات المراقبة الحقيقية، وربط التوصيات بمسؤوليات واضحة حتى لا يتحول تقرير مجلس الحسابات إلى مجرد وثيقة شكلية تستعرض دون أن يكون لها وقع على السياسات العمومية.
و أكد المستشارون البرلمانيون الممثلون للهيآت السياسية والمهنية والنقابية في مجلس المستشارين أن توصيات تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم الفترة 2023-2024، تعد أساسا مهما للارتقاء بتدبير الشأن العام وبلوغ الحكامة الجيدة وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات.
ودعا البرلمانيون في مداخلاتهم، خلال جلسة عمومية عقدها المجلس وخصصت لمناقشة التقرير سالف الذكر، إلى إعمال وتنفيذ هذه التوصيات بالجدية المطلوبة من أجل تجاوز النقائص التي رصدها التقرير على مستوى عدد من الأوراش والبرامج القطاعية.
وفي هذا الإطار، نوّه المستشارون البرلمانيون بـ”التطور الإيجابي” لمستوى الخدمات التي تقدمها الجماعات الترابية، مسجلين في الوقت نفسه أن “مساهمة الجهات والجماعات الترابية في المجهود التنموي “”لم ترق بعد إلى المستوى الذي سطرته القوانين التنظيمية، لتظل الممارسة الفعلية للاختصاصات الذاتية محدودة” حسب ما نبه إليه المجلس الأعلى للحسابات.
وحثّوا على التعاون بين الحكومة والجماعات الترابية، لاسيما من خلال وزارة الاقتصاد والمالية، من أجل المساعدة على التدبير التقني لعملية التحصيل، مؤكدين على أهمية مواصلة إصلاح الإطار القانوني للجبايات المحلية وفق الإجراءات والأهداف التي سطرها القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي.
كما اعتبروا أن الميثاق الوطني للاتركيز الإداري يعدّ ركيزة أساسية لنجاح ورش الجهوية المتقدمة، لضمان الفعالية والتناسق بين تدخلات كل من الجهات والمصالح اللاممركزة لمختلف القطاعات الحكومية، مبرزين “أهمية الجهوية المتقدمة في تدعيم بناء الدولة الديمقراطية وتحقيق العدالة المجالية والاجتماعية”.
وفي ما يتعلق بمنظومة الحماية الاجتماعية، دعا البرلمانيون الحكومة إلى التعاطي مع ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، الذي ثمّن خطوات تنزيله لا سيما على المستويين القانوني والمالي، وأشار في المقابل إلى ضرورة تطوير نظام استهداف وضبط الفئات التي تتحمل الدولة تكاليفها، والمزيد من تعبئة وتنويع مصادر التمويل المستدامة.
وشددوا أيضا، على ضرورة النهوض بمؤسسات الرعاية الصحية العمومية وتأهيلها، وتتبع آثار الدعم على الفئات المستهدفة، والمزيد من التنسيق بين السياسات العمومية في المجال الاجتماعي.
وبخصوص مجال الاستثمار، أشاد المستشارون بتوصيات المجلس الرامية إلى تطويره، لاسيما من خلال اعتماد التعاقد الوطني للاستثمار من أجل تجويد الإطار الاستراتيجي، وإضفاء الطابع الرسمي على التزامات مختلف الأطراف المعنية بما فيها القطاعين الخاص والبنكي.
وأكدوا على أهمية تحسين مناخ الأعمال من خلال تبسيط الإجراءات والمساطر الإدارية، لتسهيل مسار الاستثمار وجذب المزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، داعين إلى الرفع من وتيرة الاستثمار في إنتاج الطاقات المتجددة في ضوء الملاحظات التي أوردها تقرير المجلس الأعلى للحسابات بهذا الخصوص .
وفي هذا الإطار، دعوا إلى الرفع من الإنتاج الوطني من الكهرباء وتنويع مصادر الطاقة الكهربائية بالانفتاح على الطاقات المتجددة والطاقات النووية والحيوية والتحفيز على الاستثمار في مجال التنقيب عن الغاز والبترول والرفع من الطاقة الاستيعابية لمنظومة التخزين وضمان حكامة تدبير هذا القطاع والحرص على إعمال قواعد المنافسة الحرة بين الفاعلين في السوق الوطنية.
تجدر الإشارة الى أن السيدة زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، كانت قد قدمت في 15 يناير الماضي خلال جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان، عرضا حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم الفترة 2023-2024، والذي يركز على بعض الخلاصات لأهم أشغال المجلس علاقة بتحديات أداء التدبير العمومي، وكذا تلك المتصلة بتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.