زاد الترقب في الأوساط الاجتماعية والسياسية بشأن نتائج الجولات الجديدة من المفاوضات بين الحكومة والنقابات، لكنه اصطدم بجدار عدم التوافق، مما أدى إلى تأجيل الاجتماع الحكومي مع النقابات إلى أجل غير مسمى.
وكشف مصدر مطلع للنهار المغربية، أن يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، قرر تأجيل اجتماع كان مقررًا مع ممثلي النقابات الأكثر تمثيلاً، والذي كان من المفترض أن يُعقد نهاية الأسبوع الماضي لمواصلة المناقشات بشأن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب.
وأضاف المصدر أن الوزارة أبلغت النقابات بتأجيل الاجتماع إلى أجل غير مسمى، مشيرًا إلى أن اللقاءات السابقة بين السكوري وممثلي النقابات أظهرت تباعدًا كبيرًا في وجهات النظر، حيث لم تقم الحكومة بإدخال تعديلات جوهرية على مشروع القانون.
وفي سعيه للتوصل إلى توافق مع النقابات، يأمل يونس السكوري في الاتفاق على صيغة جديدة لمشروع القانون بحلول نهاية هذا الأسبوع، وذلك تمهيدًا لمناقشته في مجلس النواب بعد افتتاح البرلمان في الأسبوع الثاني من أكتوبر.
وفي الوقت الذي ترفض فيه النقابات المشروع، يعتبر السكوري أن الحكومة أبدت مرونة كبيرة تجاه اقتراحات الفرقاء الاجتماعيين بشأن مشروع القانون، مغتبرا أن المفاوضات حققت تقدمًا كبيرًا في العديد من المواضيع الأساسية.
هذا، وأثارت بعض النقابات استياءً شديداً من مشروع القانون التنظيمي للإضراب الذي تريد الحكومة تمريره، معتبرين أن الحق في الإضراب هو من الحقوق الأساسية للعمال، ويجب أن يُمارس بحرية كاملة وفقًا للدستور والاتفاقيات الدولية.
وفي هذا الصدد، عبرت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن رفضها التام لهذا المشروع، معتبرةً إياه محاولة لتقييد حق الإضراب بشكل غير مبرر.
وعلاقة بالموضوع، كشف مصدر من داخل نقابة ” CDT” عن خلفيات بلاغ المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الذي صدر يوم الأربعاء الماضي، والذي أعلن فيه رفضه لمشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب.
وذكر المصدر أن يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، قد عقد اجتماعًا مع قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في مقرها المركزي بالدار البيضاء، انتهى الاجتماع بعدم موافقة النقابة على مشروع القانون الذي تسعى الحكومة لإقراره عبر أغلبيتها في مجلس النواب والمستشارين.
وأضاف المصدر إلى أن الخلاف بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والحكومة يتمحور حول فلسفة المشروع، حيث اعتبرت النقابة أن ما عرضه السكوري يقيّد حق الإضراب ويضع عراقيل عديدة أمام تنظيمه، مما يجعله شبه مستحيل.
وأكد المصدر أن الكونفدرالية منفتحة على الحوار مع الحكومة، لكنها تطالب بأن يكون المشروع متوافقًا مع الدستور والاتفاقيات الدولية.
هذا، وأكد المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل رفضه التام لمشروع القانون التنظيمي للإضراب، معتبرًا إياه مخالفًا لحماية هذا الحق وشرعيته التاريخية، ولروح الاتفاقية الدولية رقم 87 وباقي العهود والمواثيق الدولية.
وطالبت النقابة الحكومة بإلغاء ومراجعة التشريعات التي تنتهك الحرية النقابية، بما في ذلك إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي الذي يتيح اعتقال ومحاكمة النقابيين بتهمة عرقلة حرية العمل، وطالبت أيضًا بالمصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 87.
واعتبرت النقابة أن حق الإضراب هو ركيزة أساسية للحرية النقابية وضرورة مجتمعية لمحاربة الاستغلال والفساد، ولتحقيق احترام القانون الاجتماعي والتضامن الاجتماعي والعمالي، كما أن الإضراب يمكن أن يكون أحيانًا مبادرة وطنية للدفاع عن قضايا دولية ووطنية، لذا، يجب أن يكون مشروع القانون التنظيمي للإضراب موضوع حوار مجتمعي متعدد الأطراف.
بدوره، قال محمد الزويتن رئيس نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لصحيفة النهار المغربية، إن وزير التشغيل يطرح نفس القانون الإضراب الذي تم رفضه في الفترات السابقة.
وأضاف الزويتن، أنه لم يتم استدعاء أو التشاور مع نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، مبرزا أن الطريقة التي اعتمدها الوزير والتي لا تعتمد على المقاربة التشاركية والحوار لن تكون في صالح الشغيلة بالمغرب.
وشدد المتحدث، أن قانون الإضراب يهم الشغيلة بالدرجة الأولى، لذا كان يجب أن تتحاور الحكومة مع النقابات والتوافق معها قبل اللجوء إلى البرلمان.
وذكر الزويتن، أن قانون الإضراب حق من حقوق الشغيلة المغربية، لذا لا يجب على الحكومة أن تمس بهذا الحق الكوني الذي تنص عليها المواثيق الدولية.
وأفاد رئيس نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن القانون في البرلمان منذ سنة 2016، ومر على هذا التاريخ ثمانية سنوات، وخلال هذه السنوات ظهرت العديد من المستجدات، لذا يجب تحيين هذا النص.
وطالب النقابي بمعالجة قانون الإضراب بشكل شمولي، وأيضا معالجة الموضوع بضرورة تقنين العمل النقابي، وعملية انتخاب ممثلي المأجورين واللجان الثنائية، وكذا معالجة الاختلالات في مدونة الشغل.
في سياق متصل، عبّر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عن قلقه من مشروع القانون التنظيمي للإضراب، مشيرًا إلى أن القانون قد يتعارض مع المبادئ الأساسية للتوازن بين حقوق العمال ومتطلبات التنمية الاقتصادية.
وانتقد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تغليب الطابع الزجري والتقييدي في مشروع القانون التنظيمي للإضراب، مشيراً إلى هيمنة اللاتوازن على هيكلة المقتضيات القانونية في هذا النص التشريعي.
ودعا المجلس إلى تجنب إدراج عقوبات سالبة للحرية ضمن مشروع القانون.
وفي رأيه حول مشروع قانون رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، أشار المجلس إلى أن المشروع يقصي بعض الفئات الاجتماعية المنظمة بحكم القانون، ويحرمه من ممارسة حق دستوري معترف به منذ عام 1962 وأيدته التزامات ومعايير دولية مثل العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والاتفاقية الدولية الأساسية رقم 87.
وأبرز المجلس أن تحميل المشروع بالكثير من التفاصيل والإجراءات القانونية كان من الأفضل تنصيصها في قوانين أدنى، مما أضر بروح وفلسفة تقنين حق دستوري طال انتظاره.
وثمن “مجلس الشامي” أهمية إصدار قانون تنظيمي لتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب وفقاً للفصل 29 من الدستور، والفصل 86، الذي يحدد وجوب عرضه على البرلمان للمصادقة ضمن قوانين تنظيمية أخرى.
ودعا المجلس إلى مراجعة بنود المشروع لضمان انسجامه مع المبادئ الدستورية والالتزامات الدولية، مما يعزز التوازن بين مصالح جميع الأطراف.
كما شدد على أن تقنين ممارسة حق الإضراب يجب أن يُعتبر مشروعاً مجتمعياً يتطلب التشاور الواسع وإشراك جميع الأطراف المعنية.
وأشار المجلس إلى ضرورة تحقيق التوازن بين حق الإضراب وحرية العمل، مع التركيز على استجابة المشروع لإكراهات المقاولة وتحسين مصالح الأجراء والموظفين.
كما دعا إلى تقنين الحق في ممارسة الإضراب لجميع الفئات التي تتمتع بحق الانتماء النقابي، والسماح بتنظيم جميع أشكال الإضراب دون تمييز.
وحث المجلس على إعطاء الأولوية للحوار والتفاوض بين جميع الأطراف، وتعزيز مكانة الوسائط الاجتماعية والنقابات والمجتمع المدني لتحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية.
وطالب المجلس بضمان الأمن القانوني من خلال وضوح النصوص وقابلية إنفاذ قواعدها القانونية، وتفادي العقوبات السالبة للحرية، مع التركيز على تناسبية الغرامات المالية بين العاملين وأرباب العمل.
وأوصى المجلس بتبسيط مساطر وإجراءات ممارسة الحق في الإضراب، وضمان انسجام أي مشروع قانون تنظيمي مع المرجعية الدستورية والالتزامات الدولية، لتحقيق بيئة سليمة ومستقرة.
وخلص المجلس إلى أنه يجب استكمال تنظيم العلاقات الشغلية بإصدار قوانين متعلقة بالنقابات وتحيين مقتضيات مدونة الشغل وتعزيز دور مفتشية الشغل وآليات الوساطة والتحكيم.
ويذكر أن الحكومة بدأت، في 13 سبتمبر 2024، جولة جديدة من المشاورات حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب، بحضور السكوري وممثلين عن النقابات.