ودّعنا الانتخابات المهنية، وفاز من فاز وخسر من خسر، والرابح الوطن، الذي آمن بالديمقراطية خيارا وحيدا، ونستقبل في الأيام القليلة القادمة الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، ويستعد لها الكل بما أوتي من قوة، حقا وباطلا، ويتم صرف ملايين الدراهم في التسويق للأحزاب السياسية وبرامجها الانتخابية، ونالت شركات “التواصل” نصيبا مهما من الأموال الحزبية، والتي سيتم احتسابها من التمويل العمومي للأحزاب السياسية.
لم يعد الغرض هو مناقشة نتائج الانتخابات المهنية، ولا بناء توقعات حول الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، فتسابق الأحزاب لا يعني تسابق على البرامج وعلى فعل الخيرات ولكن على مقاعد تتحول إلى أداة في المفاوضات سواء حول الرئاسات أو حول الحكومة، غير أن يما همنا هو ما تم الترويج له بشكل كبير حول أن الانتخابات المهنية تعتبر عقابا وتأديبا شعبيا لحزب العدالة والتنمية.
أصلا هذه الانتخابات ليست معيارا، لأن ميزان القياس غير دقيق، ففي الانتخابات السابق جاء العدالة والتنمية في الرتبة السادسة في الانتخابات المهنية للغرب، وفي الانتخابات التشريعية اكتسح الدوائر بربع المقاعد وقاد الحكومة. غير أنه لنذهب مع المحللين بعيدا ونفترض فرض محال أن فعلا هذه الانتخابات تعتبر تأديبا للحزب الإسلامي.
انتخابات المهنيين مختلفة تماما عن الانتخابات العامة، لأنها تهم فئة خاصة، ولدى ديناصورات هذه الانتخابات أدوات وقدرات على التحكم فيها لأنها انتخابات نخبة من التجار والمهنيين، فهي اقتراع ناخبين كبار يسهل ضبطها.
غير أن السؤال المطروح: إذا كانت هذه الانتخابات تأديبا وعقابا للعدالة والتنمية على تدبيره للشأن العام، وهو بالمناسبة أدار الحكومة بشكل كارثي، فلماذا لم يعاقب حليفه الأول في الحكومة، التجمع الوطني للأحرار؟ لماذا لم يعاقب حزبا كان يتوفر على وزارات يصعب ضبط أسمائها، وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزارة التجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي وهلم وزارات طويلة عريضة.
سيستشكل علينا البعض بأن التجمع لم يقد الحكومة. نعرف ذلك حيث إن اللحظة الوحيدة التي كان فيها رئيس التجمع وزيرا أول هي لحظة التأسيس، لكن بعدها سيغادر الرئيس المؤسس إلى رئاسة البرلمان، ومن حينها سيصبح التجمع الوطني للأحرار مكملا للأغلبيات، غير أنه في حكومة العثماني كان عنصرا وزانا في الأغلبية وحاز أهم الوزارات، ولا يعتقد أحد أنه كانت هناك عرقلة لعمل وزاراته، بل كان مطلوق الأيدي ولكل وزارة ميزاتيها الحرة والمستقلة، وبالتالي من “حبس يديه” على العمل الجاد. وعندما قال أوجار إن لدى التجمع مفاتيح الحل إذا ترأس الحكومة، قلنا له من يمنعك الآن؟ فحتى لو فاز التجمع بالرتبة الأولى سيكون مضطرا للتحالف مع أحزاب أخرى مثلما هو اليوم حليف مهم للبيجيدي.
العمل الحكومي مشترك ولو كان التصويت المهني عقابا لعاقب التجمع الذي عرف كيف يحصل على نتائج أكبر من نتائج 2016.
على الذين ينتقدون تجار الدين ألا يُسوقوا لتجار الدنيا، وهم شركاء في التدبير العام لشؤوننا ويتحملون المسؤولة المشتركة في الانهيار.