كشف أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إن موضوع المشاركة المواطنة في تدبير الشأن العام ومكافحة الفساد هو موضوع مُركَّب وذو أبعاد متشابكة، جاء ذلك خلال الندوة التي نظمتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، بالرباط، بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تحت عنوان “الالتزام المواطن والمساهمة في تدبير الشأن العام ومكافحة الفساد”. وأكد الشامي أن آليات “الديمقراطية التشاركية” و”اليقظة والمساءلة المواطنة” لا غنى عنها لتعزيز شفافية ونجاعة الفعل العمومي، وترسيخ مبادئ النزاهة والحكامة الجيدة، والوقاية من التجاوزات التدبيرية.
وأوضح أن التشخيص الذي أجراه المجلس، ومخرجات جلسات الإنصات إلى الفاعلين، ونتائج البحث الميداني الذي أشرف عليه، تؤكد أن اللجوء إلى هذه الآليات التشاركية لا يزال محدودًا. وأشار إلى وجود عدد من الإكراهات التي لا تشجع على الانخراط في هذه الآليات، منها ما يرتبط بنقص المعلومات، وتعقيد المساطر، وضعف تملك الفاعلين المعنيين لهذه الآليات، و أضاف الشامي أن الرغبة في المشاركة أصبحت أقوى، خاصة لدى الشباب، الذين يُظهرون تطلعًا للانخراط بشكل أكبر في تدبير الشأن العام. وأكد أن هناك رغبة في تعزيز شفافية الإدارة والمؤسسات، وتحسين مسؤوليتها، والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تهمهم بشكل مباشر.
وأشار الشامي إلى أنه عندما يتم إشراك المواطنات والمواطنين بشكل فعلي وكامل في مسلسل اتخاذ القرار، فإن النتائج تكون ملموسة. وتنتج عن ذلك سياسات عمومية أكثر استجابة للاحتياجات الفعلية، وتملك أقوى للقرارات المتخذة، والأهم من ذلك كله، بناء ثقة أكبر في المؤسسات.
ولفت إلى أن مأسسة هذه المبادرات والتجارب، على أهميتها، تحتاج إلى إطار قانوني ملزم، ومعايير مؤطرة، وكيفيات تنظيمية موحدة. وذلك حتى لا يبقى إجراء الاستشارات المواطنة رهينًا باختيارات ومقاربات متباينة تختلف من إدارة إلى أخرى أو من مؤسسة عمومية إلى جماعة ترابية.
ونبه الشامي إلى أن عدم التفاعل الممنهج مع نتائج الاستشارات العمومية، سواء فيما يتعلق بالحاجيات أو القوة الاقتراحية المعبَّر عنها، من شأنه أن يؤدي إلى تراجع تدريجي في مشاركة المواطنات والمواطنين. وقد يُفضي ذلك، على المدى البعيد، إلى إضعاف منسوب الثقة في المؤسسات.
من جهته قال محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إن تجويد السياسات العمومية في اتجاه دعم جهود مكافحة الفساد يُعد قاعدة أساسية لضمان تنمية متينة ومدمجة ومستدامة، وهي الأهداف التي يتطلع إليها المغرب، جاء ذلك خلال الندوة التي نظمتها الهيئة الأربعاء بالرباط، بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تحت عنوان “الالتزام المواطن والمساهمة في تدبير الشأن العام ومكافحة الفساد”.
وأشار الراشدي إلى أن العديد من المؤشرات الوطنية والجهوية والدولية التي تُعنى بقياس الثقة في المؤسسات تؤكد وجود عجز ليس فقط في معدل هذه الثقة، بل أيضًا تراجعًا مستمرًا في مستواها. وأوضح أن هذا التراجع يخص مختلف المؤسسات، سواء كانت عمومية أو غير عمومية. وأضاف أن الهيئة واعية بأهمية عامل الثقة في إنجاح أي مشروع مجتمعي، لذلك أطلقت دراسة “باروميتر الثقة”، التي سيتم إنجاز أول نسخة منها ونشرها في نهاية النصف الأول من هذا العام، على أن يتم تحديثها بشكل دوري كل سنتين.
وأكد الراشدي أن من بين أهم نتائج قياس مؤشر الثقة هو أن الشباب يُعدون الفئة الأقل ثقة في المؤسسات على اختلافها، والأكثر انتقادًا للسياسات العمومية التي تعتبرها هذه الفئة غير جادة في مكافحة الفساد.
و أشار إلى أن ما يقارب نصف المغاربة يعتقدون بقدرة المواطنين العاديين على التأثير في مكافحة الفساد، مما يعني أنهم مستعدون للانخراط في هذه العملية إما بالمشاركة الفعلية أو بالضغط على السلطات لبذل جهود أكبر. وأكد أن هذا الأمر يفرض على الجميع العمل على استعادة ثقة المواطنين في مؤسساتهم، مما سيساهم في تفعيل دورهم وقدرتهم على إنجاح الأوراش المجتمعية المتنوعة، والتي يُعد ورش مكافحة الفساد ورشًا مركزيًا ومهيكلًا فيها.
وشدد الراشدي على أن مشاركة المواطنين والمواطنات في جهود محاربة الفساد تتطلب أولاً مشهدًا سياسيًا قائمًا على التنافس النزيه، يؤدي إلى إفراز مؤسسات تمثيلية قوية تعمل على تفعيل البرامج التنموية التي تعهدت بها أمام المواطنين، والتي من شأنها أن تلبي حاجياتهم وتطلعاتهم المشروعة لضمان الازدهار والعيش الكريم للجميع، وأضاف أن تحقيق مشهد سياسي بهذه المواصفات لن يتحقق دون تخليق الممارسة السياسية في مختلف جوانبها ومراحلها، بحيث تكون محكومة فقط بالسعي لخدمة المصلحة العامة. وأوضح أن هذا ما دفع الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، منذ تقييمها الأول للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد في عام 2019، إلى المطالبة بتدارك النقص الموجود في هذا الجانب من خلال وضع وتنفيذ برامج وإجراءات لمكافحة الفساد السياسي والانتخابي.
وأبرز الراشدي في كلمته أن الهيئة ما فتئت تؤكد على أهمية العمل مع هيئات المجتمع المدني في المبادرات التي تتقاطع مع مهامها ومنهجية عملها. كما تعمل الهيئة حاليًا على وضع اللمسات الأخيرة لإطلاق استراتيجيتها في التواصل والتوعية والتعبئة، بهدف التفاعل مع المواطنين وكافة مكونات المجتمع.