طفي ظلمة الليل، حين يخلد الناس للنوم وتعمّ السكينة الأزقة، اخترق صوت خافت جدار الصمت في حي النصر بمدينة تمارة.
لم يكن صوت محرك سيارة أو وقع أقدام، بل أنين حياة صغيرة لم تبدأ بعد… رضيع حديث الولادة، ملفوف في قماش رقيق، مُلقى وسط حاوية نفايات قرب شارع طارق بن زياد.
الساعة كانت تشير إلى ما بعد منتصف الليل، حين لمح أحد المارة الجسم الصغير يتحرك داخل الحاوية. اقترب بحذر، ظنًا أنه هرّ صغير أو شيء من هذا القبيل، ليكتشف وجها ملائكياً يرتجف من البرد، يصرخ بصمت في وجه قسوة لا توصف.
الخبر انتشر بسرعة، ومعه تسللت مشاعر الصدمة والحزن إلى بيوت الحي، قبل أن تحضر عناصر الشرطة والسلطات المحلية على الفور.
وُضع الرضيع تحت الرعاية الطبية، وفتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة، في محاولة للوصول إلى الفاعل أو الفاعلين الذين تخلّوا عنه تحت جنح الظلام، كأنهم يظنون أن الليل يستر العار.
مواقع التواصل الاجتماعي تحوّلت إلى فضاء عزاء جماعي، حيث عبّر مئات المواطنين عن غضبهم من بشاعة الموقف، واعتبروه “جريمة ضد الإنسانية”. وتعالت الدعوات لمحاسبة المتورطين، ورفع منسوب الوعي حول الأمهات في وضعية هشاشة، والتخلي عن الأطفال، والاحتياج لنظام حماية فعّال.
لكن خلف كل هذا، يبقى سؤال مؤلم معلق في الهواء: كيف لإنسان أن يُلقي بفلذة كبده وسط القمامة؟ وما الذي يجب أن نراجعه نحن كمجتمع، حتى لا تتكرر هذه القصص في جنح الليل؟
في النهاية، الرضيع نجا بأعجوبة… لكن ضميرنا، نحن، هل سينجو من وخز هذا الصمت الثقيل؟
اللهم احفظ أطفالنا من كل سوء، وازرع الرحمة في قلوبنا قبل أن نصحو على مأساة أخرى.
ما شاء الله على اسلوب صاحب المقال، أسلوب أكثر من رائع، هكذا تكتب المقالات الحقيقية التي تلامس وجدان القارئ، مزيد من التألق أتمناه لك