ما كشفه الدكتور مصطفى عزيز لا يُقرأ فقط في سياق شخصي أو ظرفي، بل يعيد التأكيد على أمر بالغ الأهمية، مفاده أن المغرب دولة قوية، ذات مؤسسات سيادية لا تتأثر بالأهواء ولا تُخترق بالحيل، إنها دولة يحرسها القانون، وتحميها أجهزتها الأمنية والقضائية بكفاءة معترف بها دوليًا.
في وجه حملات التشويه والتضليل، يتجدد اليقين لدى كل مواطن صادق بأن الانتماء إلى الوطن ليس كلمات تُردد، بل التزام أخلاقي وعملي بحماية صورته، ورفض المتاجرة باسمه، والتصدي لكل من يعبث بأمنه أو سمعته.
وفي هذا السياق، فإن ما وقع من استغلال لرموز الدولة، ومحاولة التسلل إلى الشرعية المؤسساتية عبر أصوات مزيفة، لا يُضعف الدولة، بل يكشف قوة مناعتها، فكلما تطورت أساليب التضليل، أثبت المغرب أنه أكثر صلابة، وأسرع كشفًا، وأدق محاسبة.
وفي كلمة مصورة مؤثرة ومشحونة بالمسؤولية الوطنية، خرج الدكتور مصطفى عزيز، مؤسس ورئيس حركة مغرب الغد، عن صمته ليكشف ما وصفه بـ”تفاصيل واحدة من أخطر المؤامرات الإعلامية والأمنية التي استهدفته شخصيًا، وحاولت المسّ بأمن المغرب ومؤسساته”.
الرسالة لم تكن فقط دفاعًا عن النفس، بل جاءت بمثابة نداء وطني عميق، يُحذر من تسلل شبكات تضليل دولية تعمل على تشويه صورة البلاد والنيل من مصداقية رموزها، وذلك عبر شخصيات وصفها بـ”المحتالة والمشبوهة”، على رأسها مهدي حجاوي وهشام جيراندو.
قال وعزيز في كلمته:
“لقد تعرضت، كغيري، لعملية نصب وتدليس احترافية نسجت خيوطها أيادٍ مجرمة تتقن التضليل، وتسعى لضرب الثقة في الدولة… لكننا أقوى، لأننا أبناء وطن لا يُخترق ولا يُبتز”.
شبكة وهمية بواجهة رسمية
بحسب رواية الدكتور وعزيز، فإن الشبكة استغلت أسماء ثقيلة من داخل الدولة لتضليل الضحايا، وبلغت الجرأة بمن يقودها حدّ انتحال هوية مستشار ملكي واستعمال تطبيقات متقدمة لتقليد صوته، فضلًا عن رسائل صيغت بلغة رسمية شبيهة بالمراسلات الداخلية، لإضفاء مصداقية زائفة على عملية النصب.
“استُعمل اسمي، واستُغلت مصداقيتي، لتمرير سيناريو إجرامي معقّد، لم يكن حتى الشيطان قادراً على حبكه بهذا الشكل… ولولا يقظة الأجهزة الأمنية المغربية، لكنا أمام فضيحة من العيار الثقيل”.
تحية للأمن المغربي
في موقف اتسم بالشجاعة، توجه الدكتور وعزيز بالشكر الصريح إلى مدير الأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني، السيد عبد اللطيف الحموشي، كما استسمح مدير المديرية العامة للدراسات والمستندات، السيد محمد ياسين المنصوري، عن أي تصريح سابق جاء “في لحظة تضليل وظرف خاص”.
كما أكد أن حركة مغرب الغد، التي يقودها منذ تأسيسها، لم تتورط أبدًا في أي نشاط غير مشروع، قائلًا:
“لم يسبق لأي عضو أو متعاطف مع الحركة أن انخرط في هذه المؤامرة الدنيئة… نحن تيار وطني نابع من قلب هذا الشعب، نؤمن بالدولة، ونحترم مؤسساتها، ونجدد العهد على حماية رموزها”.
المغرب… دولة قوية تُحارب وتكشف
ما جرى – بحسب المراقبين – ليس سوى صورة مصغرة عن نوع جديد من الحرب الناعمة التي تواجهها دول مستقرة مثل المغرب، حيث تُستخدم أدوات الإعلام والذكاء الاصطناعي، لاختراق الوعي الجمعي وزرع الشكوك.
لكن الرسالة الأقوى في كلمة مصطفى عزيز كانت واضحة:
المغرب ليس دولة رخوة، ولا ساحة مفتوحة للفوضى، بل نظام متماسك ذو مؤسسات راسخة تعرف كيف تحمي نفسها، وكيف تردّ في صمت وبحكمة.
“نعم، حاولوا أن يربطونا بكيانات مشبوهة، واستعملوا أسماء مستشارين، لكنهم نسوا أن المغرب ليس دولة وهمية. إنه وطن له مؤسساته، وجيشه، ومليكه، وأمنه… وهو لا يُخترق”.
حجاوي وجيراندو… سجل أسود
على مدار السنوات الأخيرة، خرج اسم مهدي حجاوي في الإعلام الأجنبي، حيث روّج لنفسه كـ”الرجل الثاني” في الاستخبارات المغربية، بينما هو في الحقيقة – حسب مصادر أمنية– مجرد موظف بسيط سابق في المديرية العامة للدراسات والمستندات، طُرد من الجهاز لأسباب مهنية وسلوكية، ووجد في الإعلام الغربي منصة لترويج صورته الملفقة.
تحقيقات أمنية لاحقة كشفت تورطه في شبكات نصب وتهجير غير قانوني، حيث استولى على ملايين الدراهم من ضحايا مغاربة عبر وعود كاذبة بالهجرة نحو أوروبا. كما صدرت في حقه مذكرة توقيف دولية سنة 2024، إثر شبهات تتعلق بتهريب المخدرات وتبييض الأموال.
أما هشام جيراندو، المعروف بخطابه الشعبوي، فتبين أنه مدان في قضية “ازدراء المحكمة” في كيبيك بعد رفضه الامتثال لأمر قضائي بإزالة منشورات تشهيرية. كما يخضع لتحقيق في شرطة مونتريال، بعد تهديدات موثقة وجهها إلى قاضٍ مغربي سابق كان يترأس غرفة مكافحة الإرهاب، فيما حكم عليه مؤخرا ب 15عشر سنة سجنا.
بين “النضال الزائف” والحرب على الحقيقة
الخبراء في شؤون الإعلام الرقمي يعتبرون أن الثنائي حجاوي–جيراندو مجرد واجهة لتيار تخريبي أوسع، يعمل على تشويه صورة المغرب، مستغلًا شهية بعض وسائل الإعلام الغربية للقصص “المثيرة”، حتى وإن كانت مبنية على مصادر هاربة من العدالة.
هدف هذا التيار واضح، وهو زعزعة الثقة في المؤسسات، وتشويه صورة الدولة، والمسّ باللحمة الوطنية، لكنّ يقظة الأجهزة المغربية واستمرار الصحافة المهنية في فضح هذه الروايات، جعلا من هذه الحملات مجرد جلبة ضوضائية بلا أثر عميق.
الانتماء للوطن… ليس شعارًا بل التزام
ما تعرّض له الدكتور مصطفى عزيز لا يُقرأ فقط كسردية شخصية، بل يُجسّد معركة وطنية بين الوهم والحقيقة، وبين التضليل والانتماء الصادق.
فالمغرب ليس دولة يسهل خداعها، ولا مؤسسة يسهل العبث بها. بل هو بلد مبني على قرون من الاستقرار، تحميه شرعية العرش، وقوة أجهزته، وولاء أبنائه.
وفي هذا السياق، جاءت خاتمة كلمة عزيز حاسمة:
“حركة مغرب الغد ستظل حارسة للثوابت، ولن نبيع الوطن مهما كان الثمن… شعارنا ليس شعارًا شكليًا، بل عقيدة راسخة: الله، الوطن، الملك… وأنا وأسرتي فداء لهذا الشعار، ما حييت”.