على أطراف طانطان، وتحت شمس مايو الحارقة، بدأت ملامح تمرين عسكري استثنائي تتشكّل فوق رمال كاب-درعة. ناقلات جنود أمريكية تشق طريقها نحو النقاط الاستراتيجية، مدرّعات تلمع تحت وهج الجنوب، ومعدات لوجستية تنزل بدقة في مشهد يبدو أقرب إلى مقدمة فيلم حربي… لكنه الواقع: مناورات “الأسد الإفريقي” تعود بحجم غير مسبوق.
في نسخة هذا العام، لا شيء يُترك للصدفة. التخطيط محكم، الجاهزية في أقصى درجاتها، والتحالفات تتجلى بوضوح في الميدان. الجيش الأمريكي، إلى جانب القوات المسلحة الملكية المغربية، يشرفان على تحضيرات تمتد من الساحل إلى أعماق الصحراء، بمشاركة وحدات من جيوش دول إفريقية وأوروبية، جميعها تُجرب معداتها وتُراجع استراتيجياتها استعدادًا لتحديات معقدة.
التمارين المنتظرة تتخطى مجرد استعراض عضلات. فالأهداف واضحة: محاكاة حروب العصر الحديث. مواجهة الإرهاب، التصدي لهجمات سيبرانية محتملة، والتأقلم مع أصعب البيئات الجغرافية وأكثرها قسوة. إنه تمرين يختبر لا فقط السلاح، بل الذكاء العملياتي والتحالفات الدولية.
وفي خلفية هذا الحراك العسكري، تتعزز الشراكة بين الرباط وواشنطن، ليس فقط على المستوى الأمني، بل كرافعة استراتيجية في منطقة تتقاطع فيها التهديدات الجيوسياسية وتتعقد فيها معادلات الاستقرار، خاصة مع تصاعد التوترات في منطقة الساحل.
“الأسد الإفريقي” لهذا العام، إذن، ليس نسخة مكررة. إنه إعلان رمزي وعملي في آن، بأن الأمن في إفريقيا لا يُصنع بالكلمات، بل بالتخطيط والمناورة والميدان.