كشفت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أن الجفاف غير المسبوق الذي تعيشه البلاد خلال السنوات الأخيرة أثر بشكل كبير على القطاع الفلاحي عامة، وعلى القطيع الوطني خاصة، من حيث الأعداد والمردودية، مما أدى إلى اختلال توازن تكاثر القطيع.
وأشارت الوزارة إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء يعود إلى انخفاض العرض وتراجع أعداد رؤوس الماشية، بسبب تراجع الغطاء النباتي نتيجة قلة الأمطار وارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة.
ولمواجهة هذه الوضعية، أوضحت الوزارة، أنها اتخذت عدة إجراءات، من بينها تعليق رسوم الاستيراد والضريبة على القيمة المضافة المطبقة على استيراد العجول والأغنام، ودعم الأعلاف باستمرار، ومنع ذبح إناث الأبقار الموجهة للتوالد من أجل المحافظة على القطيع. وأكدت الوزارة أن هذه الإجراءات ساهمت في الحد من تراجع أعداد القطيع واستقرار الأسعار.
وفي سياق حماية القدرة الشرائية للمواطنين، قررت الحكومة تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة المتعلقة باستيراد اللحوم الحمراء لضمان تموين عادي للسوق المحلية وتحسين العرض في الأسواق والدفع بالأسعار نحو التراجع.
وفي هذا الصدد، تم إعداد دفتر التحملات الخاص بهذه العملية، والذي يمكن سحبه من البوابة الإلكترونية للوزارة، وأكدت الوزارة أن اللحوم الحمراء المستوردة ستكون لحوما حلال، وأن أي عملية استيراد يجب أن تتوفر على شهادة الذبح الموافقة للطريقة الإسلامية، وستتم تحت المراقبة الصارمة لمصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
وفي إطار استراتيجية “الجيل الأخضر” لتنمية سلسلة اللحوم الحمراء، تم إبرام عقد برنامج مع مهنيي القطاع للفترة 2021-2030، يهدف إلى تحسين إنتاجية القطيع، وتنظيم وتحديث عمليات الذبح، وتطوير وعصرنة قنوات التسويق والتوزيع. ويتوقع من هذا العقد برنامج، الذي يبلغ الاستثمار الإجمالي المرتقب فيه 14,45 مليار درهم، منها 8 مليار مساهمة للدولة، بلوغ إنتاج 850 ألف طن من اللحوم الحمراء، واعتماد 120 مجزرة، وزيادة الوزن المتوسط للذبائح إلى 270 كلغ للأبقار و 20 كلغ للأغنام في أفق 2030.
أما بالنسبة لسلسلة الدواجن، فتم في إطار استراتيجية “الجيل الأخضر” تنزيل عقد برنامج للفترة 2021-2030، يهدف إلى زيادة الإنتاج الإجمالي إلى 912 ألف طن من اللحوم البيضاء و 7,6 مليار وحدة من البيض، والرفع من معدل مراقبة اللحوم. وللتخفيف من حدة النقص في التساقطات المطرية ودعم تكلفة الإنتاج، تم منذ يوليوز 2023 تخصيص 5 ملايير درهم لدعم سلاسل الإنتاج الحيواني، من خلال توزيع الشعير المدعم والأعلاف المركبة.
و شهدت أسعار اللحوم الحمراء في المغرب ارتفاعا غير مسبوق، ما يجعلها تشكل عبئًا إضافيا على الأسر المغربية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الحالية، وأبرزها الجفاف المستمر الذي أثر على إنتاج الأعلاف وزيادة تكاليف الاستيراد، و عرفت هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار أثرت بشكل مباشر على قدرة المواطن المغربي، الذي يعاني من تضخم داخلي وضعف القدرة الشرائية، مما دفع الحكومة إلى البحث عن حلول لتخفيف هذا العبء.
و جاءت خطوة الأرجنتين الاستراتيجية لدخول السوق المغربي من خلال تصدير لحوم الأغنام والماعز الحلال، لتكون بمثابة بارقة أمل للمستهلكين المغاربة. فالأرجنتين، التي تتمتع بسمعة قوية في إنتاج اللحوم عالية الجودة، استجابت لتحديات السوق المغربي من خلال تصدير منتجات تلبي المتطلبات الثقافية والدينية للمغاربة، حيث يشترط السوق المغربي أن تكون اللحوم مصحوبة بشهادات صحية توثق عملية الذبح الحلال، وهو ما يتيح للمستهلكين الحصول على منتجات عالية الجودة، وفي الوقت الذي يعاني المغرب من زيادة الطلب على اللحوم، وخاصة لحوم الأغنام والماعز، تظهر الأرقام أن البلاد بحاجة ماسة لاستيراد كميات أكبر لتلبية هذا الطلب المتزايد. ومع ازدياد التحضر وتوسع المدن الكبرى مثل الدارالبيضاء والرباط، يرتفع الطلب على اللحوم، مما يجعل اللحوم الأرجنتينية خيارًا تنافسيًا، حيث تعرف هذه اللحوم بجودتها العالمية وأسعارها المعقولة مقارنة بمنتجات أخرى. ومع انضمام المغرب إلى قائمة الدول التي تستورد اللحوم الأرجنتينية، يتوقع أن تسهم هذه الخطوة في تخفيف حدة الارتفاع في الأسعار المحلية.
وجاءت اتفاقية مع شركات إسبانية لتوريد اللحوم الحمراء إلى المغرب بأسعار منخفضة مقارنة بالسوق المحلي، إذ توصل وفد مغربي إلى اتفاق مع سبع شركات إسبانية على توريد اللحوم بسعر 7.65 أورو للكيلوغرام (أي ما يعادل 80 درهما)، مما يساهم في تقليل تكاليف اللحوم في الأسواق المحلية. ومن المتوقع أن تساهم هذه اللحوم في تحسين وضع السوق، حيث ستتوفر بأسعار تتراوح بين 70 و80 درهمًا للكيلوغرام، ما يعد خيارًا أقل تكلفة مقارنة باللحوم المحلية.
و تشير تقارير اقتصادية إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم يعود إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية المعقدة. فالجفاف المستمر أدى إلى زيادة تكاليف الأعلاف، مما رفع تكاليف إنتاج اللحوم. كما ساهمت تقلبات الأسواق العالمية في زيادة أسعار الاستيراد، مما أثر بدوره على الأسواق المحلية. ومع تدهور القدرة الشرائية للمستهلك المغربي بسبب التضخم، أصبحت اللحوم الحمراء من المنتجات الأساسية التي يصعب الوصول إليها بالنسبة للكثيرين، وتراوحت أسعار اللحوم الحمراء في الدارالبيضاء ما بين 100 و120 درهما للكيلوغرام الواحد مقابل 70 أو 75 درهما في السابق.
و تتوقع الحكومة أن يساهم التوسع في استيراد اللحوم الحمراء من الأرجنتين وإسبانيا في خلق منافسة قوية في السوق المحلي، ما قد يؤدي إلى انخفاض تدريجي في الأسعار. وهذه الخطوة لا تعد فقط حلا اقتصاديا، بل تعكس أيضًا أهمية التعاون التجاري بين المغرب وكل من الأرجنتين وإسبانيا. ويعتبر الخبراء أن توسيع الاتفاقيات قد يمتد ليشمل قطاعات أخرى، مثل الألبان والحبوب، مما سيسهم في ضمان استقرار الإمدادات في السوق المحلي.