دعت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها إلى ملاءمة قانون المسطرة الجنائية مع المتطلبات الإجرائية لمكافحة جرائم الفساد، مؤكدة على أهمية وضع المراجعة القانونية للمسطرة الجنائية تحت مجهر المحددات الموضوعية المشار إليها، وذلك استشرافا لمستلزمات النهوض بقدرة هذا القانون على المكافحة الفعالة لآفة الفساد؛ بما يتطلب الأمر من إحكام لمختلف آليات التبليغ والبحث والمتابعة والتحقيق والمقاضاة وإنفاذ الأحكام.
ونبهت الهيئة في رأيها حول مشروع المسطرة الجنائية، إلى التطور الكبير الذي عرفته ظاهرة الفساد على المستويين الكمي والنوعي، والذي أثبتت المسوح الميدانية وتقارير الهيئات المختصة اتساع رقعته، واتخاذه لتمظهرات متعددة ومستحدثة، وتقبله كنوع من التطبيع، وارتكابه في الغالب من قبل أشخاص يتمتعون بوضع اعتباري خاص.
واعتبرت أن هذه المراجعة يجب أن تكون منطلقا لتثبيت الانصهار في منظور المشرع الدستوري الذي كرس مبدأ المساءلة وإعطاء الحساب، وطالب بزجر العديد من الانحرافات، وعمل على تعزيز سلطة القضاء وصلاحيات المحاكم المالية.
وأكدت الهيئة أن انخراط المغرب في المنظومة الدولية لمكافحة الفساد، نتيجة انضمامه للاتفاقيات الأممية والعربية والإفريقية ذات الصلة، يستدعي تفاعلا إيجابيا للآليات الجنائية المسطرية مع رهانات هذه الاتفاقيات؛ خاصة الاتفاقية الأممية التي أكدت الحاجَة الملحة إلى المراجعة الشمولية لمجموعة من القواعد الإجرائية التي ستوعب مختلف المراحل التي تبتدئ من البحث والتحقيق إلى غاية استرداد الأموال المنهوبة، مما يؤكد اقتناع المنتظم الدولي بأن نجاعة سياسة مكافحة الفساد تظل رهينة بفعالية القواعد المسطرية الواجب إعمالها لمحاصرة هذه الجرائم.
وسجلت أن هذه المراجعة محطة أساسية للتفاعل مع التوجهات الجنائية الحديثة التي اقتنعت بضرورة النهوض بآليات مسطرية متطورة في البحث والتحري والتحقيق والتعاون الوطني والدولي في جرائم الفساد؛ مما يستوجب الانفتاح على هذه التوجهات، والاستفادة من التجارب الفضلى في هذا المجال، وكذا التفاعل إيجابيا مع التوصيات الصادرة بهذا الخصوص، سواء في إطار تقارير الاستعراض التي خضع لها المغرب أو في إطار تقارير التقييم المنجزة من طرف خبراء دوليين.
ولفتت الهيئة إلى أن مقاربتها في تقديمها لمنظورها بخصوص مراجعة قانون المسطرة الجنائية مقاربةً روم اختبار واستشراف قدرة الإجراءات المسطرية المعتمدة على تطويق جرائم الفساد واقتياد مركبيها نحو ساحات الإدانة واسترجاع الأموال المنهوبة، مما يحقق التوازن بين الفعالية المطلوبة وضمانات المحاكمة العادلة والحفاظ على حقوق المعنيين.
و نظمت الجمعية المغربية لحماية المال العام، مسيرة احتجاجية بمدينة مراكش، استنكارا لتفشي الفساد، وللمطالبة بربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، و المسيرة التي شاركت فيها العديد من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية، رفعت شعار “لا للفساد”، تنديدا بتغوله في شتى مناحي الحياة، واستنكارا لسيادة الإفلات من العقاب وهدر المال العام.
كما عرفت المسيرة مشاركة العديد من ضحايا زلزال الحوز، الذين جددوا المطالبة بالتحقيق في الاختلالات التي عرفتها وتعرفها عمليات إعادة الإعمار وصرف الدعم، والتمسوا رفع المعاناة التي تطالهم في الخيام.
و قال محمد الغلوسي، رئيس الجمعية، إن هذا الشكل الاحتجاجي هو بمثابة نقطة نظام ودق لناقوس الخطر إزاء استفحال الفساد بتبعاته السلبية الكبيرة على الدولة والمجتمع، وهو صرخة “لا” في وجه تضارب المصالح والإثراء غير المشروع، وأضاف الغلوسي أن المسيرة تأتي استنكار لاستمرار الفساد والرشوة والريع وإفلات لصوص المال العام، وللمطالبة لتجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، ووقف التضييق على المجتمع المدني وتقييد دوره في التبليغ عن جرائم المال العام، وتكبيل أيادي النيابة العامة.
وحذر من أن مافيات الفساد تغولت وتهدد الدولة والمجتمع، مطالبا بمحاكمة لصوص المال العام وإرجاع الأموال المنهوبة.
واعتبر المتحدث أن الحكومة لا إرادة سياسية حقيقية لها في المكافحة والتصدي للفساد، ورئيسها متورط في تضارب المصالح، وقد تخلت عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وسحبت مشروع الاثراء غير المشروع من البرلمان.
وأكد أن عنوان هذه المرحلة هو تعميق الفساد في الحياة العامة واستمرار لصوص المال العام في استغلال مواقع المسؤلية للاغتناء غير المشروع.
وإلى جانب ذلك، لفت الغلوسي إلى أن غلاء أسعار المواد الأساسية ووتدهور الوضع المعيشي للمغاربة، إلى جانب ارتفاع نسبة البطالة ينذر بتفجر الأوضاع الاجتماعية، داعيا إلى مراعاة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.