محمد فارس
لم أَرَ من واجبي التّوقف عند معركة الشام الكبرى التي حدثت سنة (1925) وقد جاءت بعدها حوادث كثيرة هزَّت العالم العربي كما أنّ القرن (20) عَرف أحداثًا مأساوية أسوأ من السابقة وكان من الضّروري ذكرُها حتى تكتمل [مُغامرة القرن العشرين]: هكذا يسمّيه المؤرّخون، كما أن فلاسفة التاريخ يؤكّدون أن [الأحداث السّابقة، تفسِّر الأحداثَ اللاّحقة]، وأحداث القرن (20) هي التي تبرز ما سيكون عليه القرن (21) من حروب مدمّرة، وأوبئة فتّاكة، ومجاعة شاملة وستسقُط دولٌ وحكوماتٌ فاشلة وتنهض أخرى، والدولُ التي ستنجو من هذا الدّمار، هي الدول التي حرِصتْ على تشكيل حكومات حكيمة، متبصِّرة، وذكية، أمّا حكومات الاحتقان الاجتماعي، والقمع، وإثارة حالات التّذمر في البلاد، فلا حظَّ لها في البقاء، وهذا الفيلسوف الألماني [نيتْشَه] يؤكّد أنّه من علامات انحطاط الأمم، أن يترأّسَ حكوماتِها تجّار، وباعة، وسماسرة، لأنّ هؤلاء فقراء عقلاً وفكرًا، ولا حكمةَ لهم في التّسيير والتّدبير، لأنّهم فقراءُ رغمَ غِناهم؛ ويرى فيلسوف آخر اسمُه [وِيل ديورانت] أنّ حكومات التجار وحكومات يتولاّها العسكر، هي حكومات فاشلة، وعند هذا الحدّ، تَكون البلادُ تدارُ بأحطِّ رجالها.. وحتى تكتملَ الصُّورة، فإنّنا سنمضي مع أحداث القرن (20) حتى نهايته وفي هذه الأحداث ما هو غريبٌ ومثيرٌ إلى أقصى الحدود؛ فما هي هذه الأحداثُ يا تُرى؟
[ثورة حماة: 1925 ــ 1927]: هي الثورة التي جرت امتدادًا للثورة السورية الكبرى، وكانت بقيادة النقيب (فوزي القَواقْجي) الذي غرّر بقائده الفرنسي الذي سمح له بالخروج على رأس مفرزة الخيالة إلى مضارب البدو، وبحجّة منعهم من الإضرار بالقرى، غير أنّه بدلاً من هذا شرع يُحرض شيوخهم على الثورة، فقام معهم بمهاجمة مدينة (حماة)، ثم هاجم دار الحكومة، ففَتكَ بِمن كان فيها من الفرنسيين، ثم ضربَ حصارًا على الثكنات العسكرية، ولدى خروج قواتها لقتاله، صدَّتْهم قواته وألحقتْ بهم خسارة جسيمة كانت حصيلتُها مقْتل أكثر من ثُلثي قوات الفرنسيين، فاستعملت السلطات الفرنسية سلاح الطيران لتهدئة الحال، كما أرسلت نجدات ضخمة لإنقاذ جنودها المحاصرين.. [الثورة السورية الكبرى: 1925 ــ 1927]: هي الثورة التي قامت ضدّ الانتداب الفرنسي، وكانت من أخطر الثورات، وترجع أسبابُها إلى الاحتلال الفرنسي، ثم كان السّبب المفجِّر للثورة، ما فعله حاكم الجبل الكابتن (كارييه) من سوء معاملة السكان ثم عَجْرفته التي حدَت به إلى استخدام أساليب تخلُّ بمعتقدات الناس وبأعرافهم وتقاليدهم في الكرامة والشرف؛ وهنا نشبت الثّورة بإسقاط طائرة فرنسية، ثم حُرّر (جبلُ العرب)، ولما وُجّهت حملة تأديبية فرنسية إلى (الجبل)، واجَهها الثوارُ وهزَموها وقتلوا ما يزيد عن ألفيْن من أفرادها، وعطَبوا دبابات، وهرب قائدُها الجنيرال (ميشو) مع جنده الذين استطاعوا النجاة، واستبدلت (فرنسا) الجنيرال (ميشو) بقائد جديد هو الجنيرال (غامْلان) بيد أنّ الثوار سرعان ما أنزلوا بحملته هزيمة نكراء في معركة (المسيْفرة)، فاتّصلوا بثوار الشّام واتَّفقوا على النّضال حتى نيل الاستقلال..
[انتفاضة حوران: 1925]: هي انتفاضة في منطقة (حوران) السورية، إذ أرسل الفرنسيون رئيس الوزراء (علاء الدين الدروني)، والوزير (عبد الرحمان اليوسف) بعْد دخولهم إلى [سوريا] واحتلالها، كي يقوما بإقناع السكان بأن يلزموا الهدوء، فما كان من الـمُناضلين إلا أن قتلوا الوزيرين، وعطّلوا سكّة الحديد، وقَطعوا أسلاك البرق والهاتف، ولم يستطع الفرنسيون إخماد الانتفاضة إلا عبر القصف الوحشي.. [معركة الغوطَة: 1925]: هي إحدى المعارك التي جرت في (غوطة) [دمشق]، حيث دارت رحى المعركة وكان قائدها (سعيد العاص)، وكان فيها (الأميرُ عز الدين الجزائري) الذي استُشهِد، فقامت (فرنسا) بإحراق القُرى ودَمّرتْها وقَطعت الأشجار، فلجأ (سعيد العاص) إلى [الأردن] سنة (1927).. [الحرب في فلسطين سنة: 1929]: صار اليهود كثُرًا، وأنشؤوا القرى، فاحتشد المسلمون ليهاجِموا اليهودَ أمام حائط المبكى، فأثبتَت اللّجنة الثُّنائية حقّ المسلمين في حائط المبكى.. [الثورة الفلسطينية: 1936 ــ 1939]: بدأت الحركةُ النازية باضطهاد اليهود، فاستغلّت الجمعيات الصهيونية هذه الكارثة، فتكاثر عددُ اليهود في فلسطين، فبدأ قادة (بريطانيا) في قمع الفلسطينيين، وفي عام (1939) أصدرت (بريطانيا) وثيقة عُرفت بـ(الكتاب الأبيض)، فرفضه اليهود، وأعلن العربُ ثورةً ما زالت قائمة إلى يومنا هذا..